الإدارة شيء فريد ووظيفة مميزة لها مكانتها وقيمتها وبريقها وعلينا أن نعترف بذلك، ولكن ليس كافياً للنجاح اليوم أن تحمل لقب «مدير» لتكون مديراً وأن تتولى منصباً كبيراً فيه ما فيه من الجاه والوجاهة وسلطة الأمر والنهي؛ فالأمر يتطلب الكفاءة والأداء على مستوى عال وعبقرية عالمية في ظل انفتاح العالم والشراكات ويتطلب معرفة بكافة العلوم الإدارية الحديثة واستخدام الحاسوب والإنترنت واللغات الأجنبية وسعة الأفق والقراءة والمتابعة والمعرفة بما يجري في العالم من جديد في عصر العولمة والتقنية والمعرفة. تقع على المدير المعاصر مهمة إيجاد كيان كلي حقيقي يفوق حجمه الأجزاء التي يتكون منها، وشخصية إنتاجية تنتج أكثر مما يدخلها من موارد؛ أي أن المدير قائد ويجب أن تتوفر فيه صفات وسمات القائد، وهذه المهمة تتطلب من المدير أن يستخرج وينشط كل أنواع القوة المتوفرة في الموارد المتاحة له، والأهم من ذلك القدرة الكامنة في الموارد البشرية بصفة خاصة، وأن يتخلص من أي نوع من الضعف، وهذه هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها إيجاد كيان كلي حقيقي، كما ينبغي على المدير أن يحقق التوازن والتوافق بين ثلاث وظائف هي: إدارة المنظمة أو المؤسسة وإدارة الموظفين وإدارة النظم والإجراءات وإن مهمة إيجاد كيان كلي وحقيقي تتطلب أن يكون المدير في كل فعل من أفعاله مراعياً في ذات الوقت الأداء والنتائج مع رفع مستوى الأداء العام بشكل مستمر. المهمة الثانية الجوهرية للمدير هي تحقيق التوافق في كل قرار أو فعل حول متطلبات المستقبل القريب والبعيد؛ أي أن الوعد بعبور الجسر عند الوصول إليه يتطلب بناء الجسر أولاً، وحتى يتم البناء لا بد أن يكون التخطيط له سليماً من حيث الغاية والمبدأ. ومن ناحية أخرى، يمتلك المدير أداة معينة يستخدمها وهي المعلومات فهو لا يتعامل مع الأفراد فحسب، بل يحفزهم ويرشدهم وينظمهم لأداء أعمالهم ووسيلته الوحيدة في ذلك هي الكلمة المسموعة أو المكتوبة أو لغة الأرقام، وبغض النظر عن ما إذا كان عمله هندسياً أو حسابياً أو في المبيعات فإن فاعليته تعتمد على قدرته على حسن الإصغاء والإنصات والاستماع والقراءة وعلى الكلام والكتابة؛ فهو يحتاج إلى هذه المهارة حتى ينقل أفكاره إلى الآخرين، ولا يجوز أن يكون المدير من غير رؤية ثاقبة وناضجة ورسالة وأهداف واضحة، والأكثر من ذلك على المدير احترام اللغة باعتبارها وسيلة الاتصال والتواصل، وبدون القدرة على تحفيز الناس وتعميق أواصر المحبة بينهم عن طريق الكلمة المكتوبة والمنطوقة فلن يكون ناجحاً. يقال إن كل مهنة تحتاج إلى نزاهة لتحكم سير العمل والتعامل ولأن المدير يعيش مع من يرأسهم ويقرر عملهم ويوجههم ويدربهم على هذا العمل، فإن النزاهة الشخصية ستكون هي الأهم والجوهر بالنسبة له وللعاملين معه. كما أن وظيفة المدير ليست حدساً وليست الإدارة استعراضاً لبطولات شخصية ومظاهر خداعة؛ الإدارة علم وفن وموهبة وفضائل وأخلاق ومن بينها فضيلة لا يمكن تعلمها ولا يستطيع أن يكتسبها الإنسان لكنها يجب أن تولد معه وهي الشخصية القوية والثقة بالنفس وحب المعرفة. المدير الحقيقي هو الذي إذا ترك مكانه يستطيع أن يحل محله غالبية العاملين معه بيسر وسهولة وبنفس الكفاءة أو أعلي؛ أي على المدير أن يعطي الاخرين الرؤية والقدرة على الأداء ويمتلك ثقافة التحرك للأمام والتميز بالمرونة والمبادرة والسرعة مع التخلي عن أسلوب التفرد بالسلطة والمركزية الشديدة. حقيقة أن مصدر الإزعاج في عصرنا هو أن المستقبل ليس ما تعودنا أن يكون، لكن علينا أن نفكر بطريقة جديدة ونحن الآن في القرن الحادي والعشرين وعلينا عدم مقاومة التغيير والعمل على تيسيره وإنجاح مساعيه، وخاصة فيما يتعلق باستخدام التقنيات الحديثة وتعلم المهارات الجديدة والتعامل مع الناس بلغة العصر وفهم الآخرين كيف يفكرون وكيف يعملون ثم نجري محاكاة مع الأعمال الجيدة لنبدأ من حيث انتهى الآخرون ولا نحول البلد والإدارات التي نتربع على عرشها إلى حقل تجارب ونخسر المال والوقت والجهد هباء ويكون الآخرون قد وصلوا إلى أماكن بعيدة من الصعب علينا مهما عملنا أن نلحق بهم. وختاماً، نقول للمدير صاحب البراعة في تسيير دفة الأمور، لو سمحت لن تكون مناسباً لإدارة المستقبل، حيث تتطلب هذه الإدارة من يتصف بالمهارات القيادية ولديه القدرة على استقطاب الكفاءات من الشباب المؤهل الذي يمتلك مهارات جديدة ولديه روح التغيير والطموح والثقة في النفس وفي الآخرين، ويعمل بطريقة علمية وعملية واضحة لا يكتنفها الغموض بأفكار عالمية، ويتصف بالفاعلية والقدرة على سرعة اغتنام فرص المستقبل والتنبؤ باتجاهاته والتواصل مع مشكلاته وتهديداته وغيرها من متطلبات القيادة والإدارة الحديثة في عصر التقنية والعولمة، وبالتالي ننصحك إما أن تتغير وتتطور وتتكيف مع الجديد وتسير باتجاه المطلوب، أو أن تبتعد عن الإدارة وتترك الأمر لمن هم أهل لذلك، والمستقبل بدأ ولا يحتاج لمزيد من الانتظار حتى يصل...! فماذا أنت فاعل عزيزي المدير؟ والله المعين. * عميد كلية التقنية بالرياض