تذكر وزارة الصحة أن الأخطاء الطبية التي تقع في المستشفيات، ويرتكبها الأطباء، وتؤدي إلى وفاة المرضى، أو تتسبب في إعاقتهم، أو تدهور حالاتهم، إنما هي الأخطاء الطبية الأقل من أي دولة أخرى. الجانب الثاني للأمر، أن عقاب الأطباء المتسببين في الوفاة، أو المنشأة نفسها التي شهدت هذا الخلل أو الإهمال، أو التجاوز في الغالب يكون عقاباً بسيطاً وتافهاً، وحتى التعويض المادي لا يتجاوز بضعة آلاف، يعود بعدها الطبيب إلى ممارسة مهنته، دون أن يشعر بقدر المعاناة التي أصابت المتضررين. ويعود المستشفى إلى ممارسة عمله، هذا إن أغلق، أو وُجه إليه اللوم. خصوصاً وأننا لا نزال نناقش حتى الآن مدى مشروعية التشهير بالمخالفين ومرتكبي الفساد وهل ينبغي أن يتم ذلك علانية بنشر أسمائهم، وكوارثهم، وهذا الخلاف البعيد تماماً عن إطفاء نار من تضرروا من الفساد، سواء في كارثة جدة التي أثارت الأمر، أو في كوارث أخرى على مستوى المملكة. والفاسد فاسد سواء كان ينتمي إلى عائلة مرموقة، أو أسرة اقتصادية شهيرة، أو بنى اسمه من داخل رداء الفساد، أو كان فاسدا غير معروف، ولن يؤثر فساده في هدم اسهم شركة، أو تهاوي أسماء أسرة استمتع أفرادها بالفساد. في المقابل علينا تجاوز عرض هذا الفيلم التقليدي الرتيب الذي يعرض منذ سنوات على الصحف، وتتوقف صوره على البسطاء والمغلوبين على أمرهم من الفاسدين والمرتشين الذين ارتشوا بألف ريال، أو زوروا بعشرة آلاف، وشُهر بأسمائهم وصورهم وغراماتهم لننتقل إلى عرض فيلم ملاييني ثري بمعلوماته، باهظ المدفوعات، يتجاوز إنتاجه مئات الملايين للفاسدين الحقيقيين، والذين أثروا دون وجه حق. أليس من حق الفاسدين الصغار أن يتساووا مع الفاسدين الكبار؟ ولماذا نظل دائماً معلقين بمفاهيم عقابية تقف على حدود البسطاء والمغلوبين؟ وبعيداً عن تشابك الأمر أعود إلى الأخطاء الطبية التي ذهب ضحيتها تزامناً مع كارثة جدة ويرقد الآن متوفى دماغياً في إحدى مستشفيات جدة الطبيب طارق الجهني رئيس قسم الأسنان في مستشفى الملك فيصل التخصصي في جدة ومدير العيادات الخارجية المكلف، والذي كان يضع اللمسات الأخيرة لمركزه الاجتماعي «البسمة» وهو مركز متخصص لتثقيف طلاب الأسنان في السعودية. يقول والد الدكتور طارق الذي له طفلتان عامان و10 أشهر في حديثه إلى الشرق الأوسط إن ابنه دخل إلى إحدى المستشفيات الشهيرة الخاصة في جدة يوم الأربعاء يوم كارثة سيول جدة لإجراء عملية ربط (تدبيس) للمعدة أثناء فترة الإجازة القصيرة حرصاً منه على عدم تداخل وقت العملية مع أوقات العمل. وأبلغنا أن العملية بسيطة، ولا تستغرق سوى 45 دقيقة يقضي بعدها ثلاثة أيام في المستشفى ثم يغادر. لكن مع الأسف انتهى الأمر بموت دماغي على خلفية مضاعفات حدثت أثناء التخدير تحضيراً للعملية الجراحية. المهم هنا، والأهم أن طبيبة التخدير والتي توفي على يدها المريض ليست من أفراد الكادر الطبي في المستشفى، وهي زوجة طبيب عيون يعمل في المستشفى وقد قدمت إلى المملكة بتأشيرة زيارة، وأنها لا تحمل رخصة مزاولة المهنة كما أشار مدير المستشفى، لكنه أكد أن أوراقها لدى الهيئة السعودية للتخصصات الصحية. ومدير المستشفى أشار إلى أنه يعلم بعدم السماح لمن لا يحمل الرخصة بمزاولة المهنة، لكن يؤكد أن الطبيبة مؤهلة مهنياً، وقدمت بتأشيرة زيارة للسعودية لزوجها، ولكن ولأن الأمور غير منضبطة، ولأن المرضى لدينا مساكين ولا علاقة لهم بحقوقهم، ولأن هناك تهاونا في تقدير قيمة الأرواح، ولأن وزارة الصحة لا تعتني أو تفتش على هؤلاء، أو أنها كما أشار الطبيب تعلم بعمل من لا يحملون رخصة أو قادمين للزيارة، فقد قامت هذه الطبيبة العربية كما قال المدير بتغطية نقص الكادر الطبي في قسم التخدير في فترة قصيرة ماضية وباشرت نحو 140 حالة تخدير قبل العملية، ونسأل (كم مريضاً تضرر غير الدكتور طارق)؟ ولتكتمل المأساة، وعدم الاهتمام والتسيب، فإن الطبيب الجراح والذي كان سيجري العملية للدكتور طارق لم يكن موجوداً عندما أُعطي المخدر من قبل طبيبة الزيارة. وأضاف مدير المستشفى أن الجراح لم يكن موافقاً على أن تقوم الطبيبة بالتخدير، ليس لأنها غير مهنية، ولكن لتفضيله طبيباً آخر. وأشار أخيراً إلى أن المريض كان يعاني من الربو وبالتأكيد الطبيب الجراح إن صح ذلك لم يكن يعلم، لأنه غير متواجد أثناء العملية، وطبيبة التخدير الزاذرة كيف باشرت 140 عملية وهي في زيارة خاصة؟ كارثة أهل الطبيب المتوفى دماغياً ينبغي ألا تمر مرور الكرام وعلى المرضى مستقبلاً السؤال لدى كل مستشفى عن ماهية الطبيب المعالج هل جاء متعاقداً؟ أم زائراً لأحد أقربائه، أم حاجاً، أم معتمراً، وعمل في مستشفى ليسد نقص الكوادر؟