فرحة السعوديين بعودة سلطانهم، سلطان الخير، إلى وطنهم، وطن الخير، بلغت أوجها، فصارت بهم أكبر، وصاروا بها أوفى. وإذا كان السعوديون قد فُطروا على الإيمان والمحبة والإخاء، فإنهم قد طُبعوا على الإيثار والولاء والانتماء، وعاشوا حياتهم كلها يرون في قياداتهم الرشيدة المتعاقبة ربابنة نجاة، وسواعد بناء، ورجالات حكماء، وقبل ذلك مؤمنون يحكمون بشريعة السماء. فمن غير السعوديين منَّ الله تعالى عليهم بمثل هذا الفضل، وأنعم عليهم بمثل هذا العطاء؟! عاد سلطان الخير إلى أهله السعوديين وهو يحمل في قلبه حبه لهم، وحبهم له، فوجدهم - كما كانوا، وكما سيظلون - تمتلئ شرايينهم بنبض الإخلاص لقادتهم، وتفيض عيونهم بدموع الفرح للقياهم، وتشمخ هاماتهم بهمتهم، وتقر عيونهم بحضورهم، وتنطق عناوينهم بانتمائهم. من رأى بالأمس الرياض، وقد تزينت، ولبست أبهى حللها، ومن طاف على كافة عيون الوطن، شمالها، وجنوبها، وشرقها، وغربها، وقرأ ضياءها وزخرفها، سيفهم كيف أن للجغرافيا نبضاً، ودماً، ودموع فرح، وسيدرك كيف تكتب الرمال قصائد عشق خالدة، وكيف يعذق النخيل موائد بهجة، وولائم عشق سائغة! من رأى بالأمس تلك التلقائية التي تقطر سعادة، وتذوب إخلاصاً، يعرف كيف أن السعوديين نذروا أنفسهم للمحبة والسلام والأمان، وكيف أن نفوسهم نزّاعة إلى الوفاء أبداً. بالأمس كان خادم الحرمين الشريفين ملك الإنسانية، الملك عبدالله بن عبدالعزيز على رأس مستقبلي موكب الفرح بعودة ولي عهده وعضده سلطان، وكان السعوديون كلهم معه، أجساداً وأرواحاً وقلوباً، كانوا هناك لحظة اللقاء، وفي كل عناوين الوطن، قلوبهم وأكفهم ضارعة إلى الله تعالى أن يحفظ قادتهم، ويحمي وطنهم، ويديم عليهم نعمه. هنيئاً لنا عودة الوالد الحنون، والأخ الإنسان، جابر العثرات سلطان، ومريئاً لنا هذا اللقاء بين القائد وأهله. هنيئاً لنا سلطان الذي رسمت لنا ابتسامته ملامح محبة الحياة، وعلمتنا عطاءاته أسمى معاني العطاء، وأوردتنا عزيمته أنقى منابع المنعة. إنها مقالة فرحة وسعادة، لا تتسع سطورها لمآثر سلطان، ولا لأدواره السياسية والاجتماعية والإنسانية. إنها كلمات ابتهاج، يحق لنا أن نتغنى بها في هذه العودة الميمونة. بالأمس، وفي لوحة خالدة الجمال، كان اللقاء الذي جمع على ثرى الوطن، وفي أحضانه رموزه، ودعائم تاريخه، وأعاد إلى أبنائه سلطانهم سليماً معافى، ليدور عقد القيادة مكتملاً على صدر الوطن، فتبتسم الثغور، وتهدأ الصدور، وتلتمع العيون ببريق المحبة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني، وأمير الرياض سلمان. وهنا أقف، بل يجب أن أتوقف عند أمير القلوب، الذي آلى على نفسه العودة إلا ويده بيد سلطان، لا لتسمو بذلك كل معاني الأخوة فحسب، ولكن ليسجل التاريخ هذه الأثرة، وهذا التفاني في المحبة. نعم.. غاب سلمان عن الرياض وأهلها، بل عن الوطن وأبنائه طويلاً، وتساءل الناس متى سينتهي هذا الغياب، ويعود أميرهم، وكأني بهم يستعجلون عودته، وكأني به يستغربون استعجالهم هذا، فهو في واجب لا يتقنه أحد أكثر منه، وفي درس محبة يعلمنا إياه، بل يعلمه الأجيال كلها حيثما كانت. عاد سلطان وسلمان، واكتحلت العيون بهما، وتتوجت الهامات بخادم الحرمين الشريفين وهو يعانقهما، ويستقبل جميع رجالات قافلة الخير من هذه الأسرة الكريمة، ومن أبناء الوطن، الذين اغرورقت عيونهم تأثراً بسمو الموقف، ونبل من أصحابه. فليهنأ الشعب السعودي الكريم، وليسجد لله تعالى شاكراً أن أجاب دعواته، فأعاد إليه سلطان بن عبدالعزيز سالماً معافى، وسلمان بن عبدالعزيز غانماً قرير العين. فالحمد لله على سلامتك سيدي ولي العهد الأمين، والحمد لله على عودتك سيدي أمير القلوب سلمان، وقرّت عينك مولاي خادم الحرمين الشريفين، ودامت فرحتك أيها الشعب السعودي المخلص الوفي... وحمى الله الوطن وأهله من كل شر، إنه على ذلك لقدير.