بعد نيل هذا الفيلم لجائزة الدب الذهبي وثلاث جوائز أخرى من مهرجان برلين الدولي عام 1977 ماتت مخرجته الروسية لاريسا شيبتكو في حادث سير مع أربعة من طاقم فيلمها التالي الذي كانت تصوره في منتصف العام 1979. وكأنها بهذا الموت تعلن اكتفاءها من السينما ومن الحياة عموماً بعد أن قدمت في رائعتها "الصعود" كل ما يمكن لمخرج أن يقدمه؛ من تعبير سينمائي بليغ, وصورة خلابة, ومعنى عميق يُفلسف معنى "الخيانة" ويشرح بعمق وهدوء كيف يصبح المرء خائناً. يبدأ الفيلم بملاحقة فرقة عسكرية سوفيتية وهي تسير فوق ثلوج روسيا هرباً من القوات الألمانية التي كانت تحتل الاتحاد السوفييتي حينذاك؛ خلال الحرب العالمية الثانية. وعند عثور الفرقة على موقع آمن في قلب إحدى الغابات المهجورة يقوم قائدها بتكليف جنديين للبحث عن طعام في القرى المجاورة. ويسير الجنديان في البرد القارس وفوق الثلج الكثيف بحثاً عن الأمان من جواسيس القوات الألمانية لكنهما يقعان في الفخ ويُأسران ويتعرضان لقهر نفسي يكشف حقيقتهما الداخلية. تقدم المخرجة لاريسا شيبتكو في فيلمها هذا دراما مثيرة مليئة بالتشويق إلى جانب غوصها العميق في نفسية الجنديين وتأملها للكيفية التي يرتقي فيها أحدهما نحو الأعلى ليتحول إلى ملاك طاهر رغم آلامه, ويهبط الثاني نحو القاع بخيانته لوطنه وتعاونه مع العدو ليصبح نسخة عصرية من "يهوذا الإسخريوطي" أشهر الخونة في الأدبيات المسيحية. والمخرجة لا تأخذ موقفاً من شخصيات فيلمها إنما تتأمل فقط كيف يمكن أن يتحول الإنسان ويصبح خائناً؛ إنه خائف على حياته ولا يريد الموت وله مبرراته التي تجبره على اختيار هذا الطريق.. وهو لا يستطيع إلا أن يكون خائناً. لاريسا شيبتكو جمال الفيلم يكمن في الصراع النفسي بين الجنديين.. وبين المحقق السوفيتي الخائن الذي يعمل لصالح الألمان ويشعر بالخزي والعار من تعاونه مع العدو المحتل. هذا الصراع هو استعادة سينمائية ساحرة لأول صراع في تاريخ المسيحية والمتمثل في صعود عيسى عليه السلام نحو قمة الجلجلة بعد أن خانه يهوذا الإسخريوطي. ومثلما وثق "ليوناردو دافنشي" ملامح الخزي التي اعتلت وجه الخائن في لوحته الشهيرة "العشاء الأخير", قامت المخرجة لاريسا شيبتكو بتصوير الشعور بالعار الذي يغرس أنيابه في أعماق الخائن.