بعد هبوط المركبة أبولو على القمر في الستينيات كان من الطبيعي التفكير في غزو المريخ (الكوكب التالي إلى قلوب البشر).. وهكذا قدمت ناسا بعد شهرين فقط خططا للكونجرس لتمويل عملية هبوط مشابهة على سطح المريخ. غير أن الكونجرس رفض المشروع بحجة تكلفته المرتفعة، في حين كان السبب الحقيقي انتهاء سباق الفضاء مع الروس بزرع القمر الأمريكي فوق القمر.. وهكذا تأجلت مشاريع غزو المريخ حتى منتصف السبعينيات وتغيرت نوعيتها من هبوط الانسان الى هبوط آلات يمكن التحكم بها عن بعد. والطريف أنه حتى قبل هبوط المركبة الذاتية فايكنج عام 1976 كان الجميع يعتقد بوجود مخلوقات ذكية على سطح الكوكب الأحمر (حيث اعتبر البعض أن أخاديد الماء التي اكتشفت منذ القرن التاسع عشر هي قنوات ري بنتها حضارة عريقة لدرجة أن جمعية العلوم البريطانية استثنت المريخ من الجائزة التي وضعتها لمن يثبت وجود حياة على الكواكب الاخرى). غير ان تأكيد الفايكنج بعدم وجود حياة على المريخ شكل صدمة كبيرة لكتاب الخيال العلمي وقضى على حلم رافق الانسان منذ قرون. فمنذ رواية "المريخ" (عام 1896 ) وحتى "الزمن المتسرب" (عام 1964) كانت الروايات كلها تدور حول فكرة الالتقاء بمخلوقات وحضارات مريخية متقدمة. ولكن بعد صدمة الفايكنج تحولت خيالات الكتاب الى فكرة مختلفة تتمحور حول "أقلمة المريخ" بما يتناسب وحياة البشر!! غير ان البندول عاد الى اتجاهه السابق عام 1996 بعد اعلان ناسا عن اكتشاف حياة بدائية على الكوكب الأحمر من خلال دليل متحجر (انفصل عن المريخ وقدم بنفسه الى كوكب الأرض) .. ومن المعروف أن النيازك التي تنفصل عن كواكبها وتسقط على الارض حدث مألوف ووسيلة سهلة لدراسة بنية الكون.. وتوظف ناسا مستكشفين يبحثون عن هذه النيازك في القطب الجنوبي (حيث الغطاء الجليدي يوفر هبوطا آمنا ويحفظ مكونات النيزك). وفي عام 1984 عثر أحد وكلائها على نيزك انفصل عن المريخ وسقط على الارض قبل 13 الف عام في القطب الجنوبي.. وحينها أضافته ناسا إلى 12 نيزكا مريخيا سابقا لم تجد فيها ما يثير الاهتمام.. وصادف في عام 1996 أن احتاج أحد العلماء الى دراسة نماذج من النيازك المريخية فاختار بالصدفة الحجر رقم ALH84001 ولم يصدق عينية حين اكتشف آثار حياة متحجرة عليه.. كان اكتشافا هائلا ودليلا غير مسبوق على وجود حياة مريخية قديمة (لدرجة احتكر الرئيس كلينتون التصريح بنفسه عن هذا الاكتشاف).. أما المجتمع العلمي فاعتبره حدثا أهم من غزو القمر فيما نظر إليه المجتمع الأدبي كتصريح عودة لفكرة المخلوقات والحضارة المريخية المتقدمة! هذا الاكتشاف غير المنتظر عزز فرضية سابقة تدعي أن الحياة على المريخ كانت مزدهرة قبل ظهورها على الأرض بملايين السنين.. غير أن كويكبا شاردا اصطدم به (فتطايرت أجزاء منه في الكون) واختفت البحار وجفت الأنهار وانقرضت الحياة بسبب حرارة وقوة الارتطام !! أما البند الأكثر غرابة في هذه الفرضية (التي بدأت تلقى قبولا هذه الأيام) فهو الادعاء أن بذرة الحياة ذاتها انتقلت إلى كوكب الأرض نتيجة لهذا الانفجار عبر نيزك حي مازلنا بانتظار اكتشافه !!