رغم ركود الساحة الفنية هذه الأيام, إلا أن يوم الثلاثاء الماضي قدم لنا حدثين فنيين مهمين يعكسان نظرتنا للفن وإن كانا متناقضين في دلالاتهما. الأول حفل تكريم الفنان عبدالمحسن النمر, والثاني إعلان توبة الفنانة التشكيلية شيهانة طي وحرقها لأعمالها في الصحراء المحيطة بمدينة حائل. في حفل عبدالمحسن النمر غابت مؤسساتنا الثقافية وحضر الفنانون بعفويتهم ليسدوا هذا النقص الرسمي ويكرموا زميلاً لهم شرف اسم المملكة ورفعه عالياً في مهرجان القاهرة للإعلام العربي. وقد جاء الحفل بمبادرة كريمة من فناني الرياض وعلى رأسهم فايز المالكي, صاحب الروح الجميلة, الذي غير من نظرتي في الفنان السعودي وجعلني أشعر للمرة الأولى أن لدينا فناناً سعودياً حقيقياً سما فوق كل التنافس والخلافات ليجعل من الحب عنواناً لعلاقته بزملائه. كنا في السابق نرى نجومنا وهم يتنافسون ويغارون من بعضهم إلى حد التشاحن والتباغض والقطيعة, أما الآن ومع هذا الحفل, فقد كتب الفنانون صفحة جديدة عنوانها المحبة والاحترام لكل من يبدع حتى وإن كان منافساً. إن هذا الحفل هو تكريم للفن وأهله وكنا نتمنى لو أنه جاء من وزارة الثقافة والإعلام أو من جمعية الثقافة والفنون لأن هذا سيمنح الفن اعترافاً مؤسسياً صريحاً وإقراراً بمكانة الفنان وأهمية الرسالة التي يحملها. الحدث الثاني كان على النقيض من ذلك إذ حمل في طياته إدانة للفن واتهامه بما ليس فيه؛ يتمثل ذلك في إعلان الفنانة التشكيلية شيهانة طي ل"توبتها" من ممارسة الرسم!. وجرى الاحتفال بهذه المناسبة يوم الثلاثاء في الصحراء المحيطة بحائل وفي أجواء كرنفالية شهدت حرق جميع الرسومات التي أبدعتها الفنانة التائبة. وهناك مقطع في اليوتيوب يوثق عملية الحرق مصحوباً بأناشيد إسلامية تحذر من الغفلة وتنصح بالتوبة قبل فوات الأوان!. والطريف أن المقطع تم إعداده باستخدام نسخة مسروقة وغير شرعية من برنامج WinAvi (فكيف تنهى الناس عن خلق وتأتي مثله)!. على أي حال, أعلنت شيهانة طي اعتزالها الفن ولابد من احترام خيارها الخاص, وهذه رغبتها وليس لأحد أن يفرض عليها ما لا تريد.. لكن ما يؤلم هو أن يستغل هذا الحدث ليكون إدانة للفن كله؛ عبر إلصاق فكرة "اعتزال" الفنان بمفاهيم دينية نحترمها جميعاً ومنها مفهوم "التوبة" الذي لا يستخدم عادة إلا مع العار ومع الذنوب الواضحة الصريحة, ليس مع الفن الذي اختلف العلماء فيه, وليس مع رسومات شيهانة تحديداً, والتي لم تخرج عن نطاق صور الأشخاص "البورتريه" –أو ذوات الأرواح كما يراها الرافضون!- وهي نفس الصور التي توجد في صحفنا ومجلاتنا ومواقع الإنترنت, فإذا كان الشيخ الذي أشرف على المحرقة يرى أن رسومات الفنانة التائبة تخدش الدين فإنه من باب أولى إدانة كل "الصور" التي تنشر في مواقع علمائنا الأجلاء في شبكة الإنترنت؛ لأن المبدأ واحد, وهو تصوير ذوات الأرواح!. كيف نحل هذا التناقض؟. وكيف نجمع بين تكريم الفن في الرياض وبين تجريمه في صحراء حائل؟. كل هذا حدث في ليلة واحدة ليؤكد حقيقة واحدة وهي أننا لم نحسم بعد موقفنا من الفن..