قبل عشرين عاماً سقط جدار برلين، وسقطت معه عقبات مصطنعة تفصل بين الشعوب. جدار برلين وغيره من الجدران في أنحاء العالم هي جدران إسمنتية بعضها أقيم لأسباب أمنية وبعضها لأسباب عنصرية كما هي حال جدار إسرائيل في ارض فلسطين. بناء الجدران يعني بناء الخوف، والشك والقيود، وبناء الجسور يعني الحرية، والحوار، والتسامح، والتعاون. جدار برلين أطلق عليه اسم جدار العار ولهذا أقدمت ألمانيا على هدمه تعبيرا عن عزمها على تحقيق حلم الوحدة الداخلية، والوحدة الأوربية. لكن جدار برلين ليس الجدار الوحيد الذي كان يستحق الهدم، فالعالم مليء بالجدران المتنوعة. ميخائيل غورباتشوف الحائز على جائزة نوبل للسلام لعام 1990م وقائد حركة البريسترويكا التي أنهت الماركسية عبر عن قضية الأسوار أحسن تعبير في مقالة له بعنوان ( أسوار أخرى لم تسقط بعد) نشرت في جريدة الخليج الإماراتية حيث يقول: (الأمر لا يقتصر على سور واحد لابد أن يسقط، بل هناك العديد من الأسوار، فهناك سور بين الدول الصناعية وتلك التي لا تريد أن يعوقها شيء عن تنمية اقتصادها. وهناك سور بين البلدان التي تسببت في تغيير المناخ والبلدان التي تعاني الآن من العواقب، وهناك سور بين هؤلاء الذين يصغون إلى الأدلة العلمية ، وأولئك الذين يعملون لمصلحة أصحاب المصالح الخاصة، وهناك سور بين المواطنين الحريصين على تغيير سلوكياتهم والراغبين في عمل عالمي قوي ، وبين القادة والزعماء الذين خذلوهم حتى الآن) . تلك بعض الأسوار التي ذكرها غورباتشوف، وأضيف إليها من عندي تلك الأسوار بين من ينشدون الإصلاح والتقدم ، وبين من يتمسكون بما لديهم خوفا من التغيير. وأسوار بين من يعملون وينتجون، وبين من يتفرغون للتشكيك، والنقد غير الهادف، وأسوار بين مؤسسات التعليم وبين المجتمع، وأسوار من العادات والتقاليد تتلبس بعباءة الدين وهي ليست من الدين في شيء. وأسوار نفسية واجتماعية يخترعها الناس لتفرق بينهم فيتم تصنيف الناس إلى فئات أو طبقات بما يتعارض مع مبادئ الدين ويتنافى مع أساسيات التعامل الموضوعي ومنطق العلم، والقيم الأخلاقية. ما أكثر الأسوار التي تحتاج إلى هدم وخاصة الأسوار غير المرئية، الأسوار غير الإسمنتية، تلك الأسوار الثقافية والاجتماعية التي تعيق حركة الحوار والتفاعل الثقافي بين الحضارات وتمنع أحيانا حتى التفاعل الايجابي داخل المجتمع الواحد.