منذ أسابيع استنفرت أسرة أمريكية محطات التلفزة والشرطة الأمريكية من خلال إبلاغها بأن طفلها البالغ ست سنوات اختفى من المنزل بعد أن أنبه والده ، ويعتقد أنه طار بالبالون الموجود في حديقة المنزل ، ولا تعرف هل سيعود حياً ، أم سيختفي مع بالون الأسرة . تابعت المحطات الحدث ، وكان مؤثراً جداً ، وانتظرت الشرطة هبوط البالون الذي وصل ولكن دون الطفل واعتقد الجميع أنه توفي لا محاله بعد أن سقط ، ولكن فجأة اكتشفت الأسرة مكانه وتم ابلاغ الشرطة ، بأنه كان مختبئاً داخل مخزن في أسفل المنزل خوفاً من عقاب والده ، أو احتجاجاً على التأنيب ، واعتبر الناس أن الحكاية انتهت في هذه الحدود ، فلا مشكلة أن تستنفر الشرطة لإنقاذ طفل ، والحمد لله أنه وجد سليماً دون الشرطة التي كان عليها أن تبحث في المنزل قبل أن تصدق حكاية البالون . لكن يبدو أن الشرطة التي سعدت بالنهاية الطيبة لم تتوقف أمامها فقط ، بل ظلت تبحث عن أصل القصة ، وبداية فيلم البالون ، وتوصلت بعد أيام إلى أن كل الحكاية مفبركة ، وغير حقيقية ، وأن الطفل لم يطر في البالون ، ولم يؤنبه والده ، وأن الفيلم كله من تأليف الأبوين اللذين هما في الأصل ممثلان فاشلان ، وقاما بتأليف هذه الرواية واستنفار الشرطة ، من أجل الشهرة ، ومن أجل الظهور في تلفزيون الواقع الذي نقل الحدث وأصبح أفراده مشهورين في الولاياتالمتحدةالأمريكية ومع اعتراف الوالدين بالكذب على الشرطة ، ورغبتهما في صياغة حدث تلفزيوني واقعي ، حولا إلى المحاكمة وقد تصدر بحقهما أحكام قاسية وغرامات لاستنفار جهاز أمني كبير ، وللكذب أولاً . هذا في الولاياتالمتحدة الأميريكة ، لدينا كل واحد يلعب بما يمكنه أن يغلب به في المكان والزمان المناسب ، لكن هل هنا من يحاسب ؟ هل هنا من يتوقف أمام ذلك ؟ أم أن الناس تضحك وتحرر الأمر وتعتقد أن من فعل ذلك ذكي وفهلوي وبارع في التمثيل ؟ في رمضان الماضي وفي مدينة جدة كما نشرت احدى الصحف ابتكر مواطن طريقة جديدة للخروج من أزمة الانتظار في الطابور الطويل للبشر حيث بث إشاعة الإصابة بإنفلونزا الخنازير . وكان المواطن يراجع إحدى الشركات لاستلام ، أوراق سيارته الجديدة . وفوجئ بعدد كبير من المراجعين ، داخل المعرض ، ونظراً لأن عائلته كانت تنتظره في الخارج فإنه لم يتمكن من أخذ رقم الانتظار لحين مجيء دوره وتبادرت إلى ذهنه حالة الهلع التي يعانيها البشر من إنفلونزا الخنازير ، وعلى الفور طلب من موظف في الشركة مساعدته في تطبيق الفكرة ، وبالفعل أُشيعت الشائعة ، وبدأ الطابور في التلاشي للسماح للمصاب باستلام أوراقه دون مضايقة من أحد خوفاً من العدوى ، وأنهى أوراقه بسرعة وخرج من الشركة دون الحاجة للانتظار ! السؤال هنا هل ما قام به المواطن عملا أخلاقيا ؟ هل يحاسب عليه القانون ؟ أم أن لا قانون لدينا يحاسب على مثل هذه الأمور التي يعتبرها البعض طريفة وتفطس من الضحك ؟ هل اغتصاب حق أحد أياً كان حتى وإن كان مكاناً في طابور ليس جريمة تستحق العقاب أو التأنيب ؟ هل لدينا قوانين محاسبية على ذلك ؟ ولماذا الناس تلجأ إلى الحيل التي تبث الرعب في الآخرين وهم من اعتادوا غير التحقق منها ؟ من اسبوع فقط وأمام كاشير في هايبر كبير تجاوز الطابور العشرة اخترق أحدهم الصفوف حاملاً طفلا لا يتجاوز العام وبيده خبز ولبن ولو سمحتوا لو سمحتوا الولد حرارته مرتفعة ومسخن ولازم أوديه الدكتور ، وعندي طفل مريض ، وفعلاً تقدم الجميع وخرج ، وأنا أتابعه بهدوء شعرت أنه ضحك على الجميع في ظل غياب كامل للمطالبة بالحقوق حتى وإن كانت هلامية كالطابور الذي سأظل ادافع عن حق أي شخص في مكانه لأنه ثقافة في حد ذاتها ، وتحضر ، واحترام للآخر ، ولا بأس إن كان من يريد أن يسبق مستحقاً فعلاً ؟ لكن في مجتمعنا بالتحديد تختلط معايير الاستحقاق مع معايير الكذب ، والحيلة ، والضحك على الآخرين ، واستغفالهم .