** عندما قال الأمير فيصل بن عبدالله..وزير التربية والتعليم في محاضرته القيمة.. والموجزة.. والطموحة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عن مستقبل التعليم في المملكة..انه ينتظرنا عمل كبير ومعقد بهذه الوزارة..وان على الجميع أن يمنحونا الوقت الكافي لكي ننجز ما يتطلعون إلى تحقيقه..فإن سموه يكون بذلك قد أدرك مدى صعوبة المهمة التي ألقيت على كاهله..وكذلك مدى حجم العبء الذي يجب أن يضطلع به منسوبو هذه الوزارة والعاملون فيها.. ** وبالتأكيد فإن من يضع يده على هذه الحقيقة..ويمتلك الشجاعة في التعبير عن هواجسه بمثل هذا الوضوح فإنه يستطيع أن يفعل شيئاً كبيراً وتاريخياً للعملية التعليمية في هذه البلاد..لأنه وبدون هذا التغيير – كما قلنا يوم أمس - فإن إحداث نقلة في حياة هذا الوطن ومواطنيه لا تصبح ممكنة..وكفانا (رمرمة) وكفانا (تسطيحاً) لقضايا أساسية وجوهرية لا حل لها إلا بالعودة إلى الأعماق ومعالجتها من الجذر.. وإلا..... ** كل ذلك أفرحني وطمأنني إلى المستقبل.. ** لكن ما لم أسمعه من الأمير الوزير – ولعل ذلك حدث بفعل عدم كفاية الوقت -..هو السياسة التعليمية للمملكة.. ** وكما قال أخي الدكتور أحمد العيسى (مدير جامعة اليمامة بالرياض) في كتابه "إصلاح التعليم في السعودية" فإن هذه السياسة المعدة في عام 1968م (1388ه).قد تجاوزها الزمن كما تجاوزها فكر المجتمع والدولة..وهذا صحيح.. ** ذلك أن مرور (42) عاماً على وضع هذه السياسة في ظروف سياسية وفكرية معينة..وفي ظل نشوء هذه الدولة وبدايات تشكل أنظمتها وقواعد العمل الأساسية فيها..وفي ظل ندرة العقول الخلاقة فيها في ذلك الوقت..كل ذلك كفيل بإعادة النظر بصورة أساسية وجذرية وجوهرية في هذه السياسة إذا نحن أردنا لنظام التعليم في بلادنا أن ينطلق إلى المستقبل مستفيداً من حصيلته وتجاربه ومعاناته الناشئة عن تطبيق تلك السياسة..وما أنتجته لنا من مخرجات كان مثلها الأسوأ هو (جريمة جهيمان واتباعه) عام 1400ه.أما الأحدث فهو نمط التفكير المتجسد بأعمال منظمة القاعدة وجرائمها داخل المملكة وخارجها.. ** وفي تقديري أن صياغة سياسة تعليمية ذات أفق مستقبلي ورؤية حضارية مستوعبة لتوجهاتنا الجديدة نحو عالم تتعايش فيه الأديان والثقافات..وتنفتح فيه العقول على كل المعارف الإنسانية السائدة.. وتستوعب جميع المعطيات الفكرية..والعملية..والاقتصادية الحالية بفعل الحراك الذي شهده العالم في السنوات الأخيرة..والانطلاق منها إلى استشراف مستقبل يُحترم فيه عقل الإنسان..ويُستثمر ، ويقوم فيه الحوار على أسس علمية بحتة..وتُستخدم فيه جميع الأدوات المعرفية القائمة على امتلاك الإنسان للقدرة مع التدبر..والتحليل..والخلق والابتكار..وبتوظيف جميع الطاقات التي وهبها الله للإنسان..لتجديد هذا الكون وتحرير العقل من المخاوف..والتحسبات التي أقعدته عن الإبداع كثيراً في فترات تاريخية سوداء..لابد وأن يسبقها إعداد نظام تعليمي متكامل..لأن هذا النظام مطلوب منه أن يترسم رؤية هذه الدولة..وتطلعات شعبها إلى مستقبل مختلف..لا مكان فيه لكثير من التناقضات أو الإشكاليات التي نحياها الآن..بفعل ضيق الرؤية الحدية التي اتسمت بها العملية التعليمية.. ** وفي تصوري ، أن صياغة هذه السياسة تعدل في أهميتها وخطورتها صدور النظام الأساسي للحكم الذي وضع هذه البلاد في الطريق الصحيح..باعتباره بداية تاريخية نابهة لهوية وطنية واستحقاقات مواطن وواجبات دولة على نحو رائع وجميل.. ** ولذلك فإنه لابد وأن يشارك في هذه الصياغة أناس يمتلكون الخبرة..والقدرة والمعرفة..والعلم.. والرؤية الحضارية..والتخصص ليس فقط في الشأن التربوي وإنما في كافة الشؤون الأخرى ، الاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية والاجتماعية والنفسية..ويكون هؤلاء على درجة قصوى من الإدراك ليس فقط لمشاكل البلد..وأنماط التفكير السائدة فيه..وإنما لآفاق التقدم الإنساني والحضاري القائم على أساس صناعة المستقبل الآمن للشعوب.. *** ضمير مستتر: **(تتعرض المجتمعات لفترات من الغفلة..أو الإغماءات المفاجئة..لكنها تتحرر منها كلما اكتشفت خطورة ما انتهت إليه أحوالها).