كتبتُ قبل حوالي عشر سنوات عن السائق الياباني الذي فاجأه الزلزال أثناء وقوفه خلف إشارة المرور الحمراء ومع هذا فقد التزم بالوقوف رغم أن الأرض تهتز من تحته وعمود الإشارة يتحرك كالبندول أصر أيضا على الوقوف . شاهدت ذلك في إحدى نشرات الأخبار التي عرضت مشاهد عِدّة للزلزال ومنها هذا المشهد المُدهش ..! السؤال الذي تبادر إلى ذهني آنذاك هو ما الذي دفع ذلك الرجل للوقوف في أحلك الظروف خلف الإشارة ، ولماذا لم يتحرّك ؟؟ أهو الخوف الذي جمّدهُ في مكانه ؟؟ لا أعتقد فالشعب الياباني قد تعوّد على الهزّات الأرضية لدرجة أن الناس هُناك تستغرب فيما لو لم تحدث هزّة لزمن طويل ..! هل هو الخوف إذاً من العقاب ؟؟ وهذه أجزم بنفيها لأن لا أحد من رجال شرطة المرور كان هُناك حتى وإن كان موجوداً فإن الحدث عظيم فلا مجال لمتابعة مُخالف للقانون. الحكاية بالضبط كمن يتعامل آلياً مع ربط حزام الأمان حين يصبح عادة لا يُفكر فيها الإنسان لدرجة لو استرجع أحدنا اللحظة التي ربط فيها الحزام أكيد لن يتذكرها، أو هل فكّر قبل قيادته للسيارة بأي فعل يبدأ هل بوضع المفتاح في مكانه لإدارة المُحرك أم بإضاءة أنوار الانعطاف ؟؟ هو يفعل كل خطوة بترتيبها دون تفكير لأنها أصبحت تلقائية وهذه حال صاحبنا الياباني قد وقف خلف الإشارة الحمراء ولم يتحرّك رغم الزلزال لأن هذا الفعل مغروس في وجدانه وفي عقله الباطن ولا يُمكن أن يتغير بتغير الظرف أو الطقس أو الحدث، عكس معظم الناس في بلادنا تعتقد بأن القوانين عبارة عن قيود تحدّ من حُريتهم وضعها أُناس فاضون ليس لهم همّ إلاّ وضع القيود في حياة البشر ..! لهذا فهم يقتنصون أيّ فرصة لتهشيم القوانين متى أُتيح لهم ذلك. تذكرت الحدث المُدهش بعد مرور عشر سنوات وقلتُ في نفسي ما الذي تغيّر ياتُرى طوال تلك السنوات ؟؟ هل للأفضل أم الأسوأ ؟؟ حتى لا يكون حُكمي جائراً دعونا نحتكم إلى إحصائيات المرور لنعرف الحقيقة ؟؟ مع عدم تجاهل زيادة عدد السائقين والسيارات طوال هذه الفترة إلاّ أن نسبة ارتفاع الحوادث وما ينتج عنها من قتلى ومصابين وكذلك نسبة ضبط المخالفات تفوق بكثير كل التوقعات لهذا سيكون الحُكم من هذا المُنطلق. نعم لم أكن أتخيل وصول التزامنا بالقوانين كما التزام الشعب الياباني أو السويدي أو غيرهما ولكن على أقل تقدير أتمنى مثل غيري أن نتطور للأفضل لا أن نعود للخلف، لهذا أُطالب جهاز المرور بتوضيح الحقيقة لماذا نحن متخلفون في هذا المجال ؟؟