بوجهها الهادئ المؤمن الذي كان يشع منه نور الاطمئنان والرجاء والدعاء، وعلى سجادتها التي حملت رائحة الأمهات كعادتهن دائما؛ رفعت "أم البنات" يديها بخشوع كبير تدعو لأبنائها بالهداية والصلاح والتوفيق، ولم يقطع تلك اللحظات الإيمانية إلا صراخ وضجيج ابنتيها اللتين علا صوتهما القادم من"المطبخ" و"طقطقة القدور" تتعارك في المكان، وصوت السباب والألقاب النابية يهز المنزل.. فهرعت الأم لمشاهدة مايجري، وإذا به عراك ساخن بين الشقيقتين "مها وتهاني"، واللتان اعتاد المنزل على صراخهما ومشاجرتهما الدائمة، بسبب "الغيرة" التي بينهما؛ خاصة أنهما في عمر متقارب وكل واحدة منهما تتصف عن الأخرى بصفات مختلفة. غيرة بنات وعلى مقربة من أحداث ذلك المنزل، وفي منزل آخر نشب اشتباك كبير بالأيدي أدى إلى تقطيع الشعر وبعض "الخربشات" التي ملأت وجه الشقيقتين إثر خلاف دب بينهما، وذلك بسبب غسيل صحون المطبخ والذي يشكل المعضلة الأكبر بين الشقيقات في المنزل، فقد تعمدت "ريما" تجميد عملها ليوم كامل فلم تقم بغسل صحون المطبخ، وذلك نكاية في شقيقتها التي تتميز عنها بقربها من والدتها، حيث كانت "آخر العنقود"، وفي نهاية اليوم أبدت "ريما" رغبتها في النوم ولم تنجز بعد واجبها المنزلي في المطبخ؛ وبعد أن دخلت شقيقتها ووجدت المكان رأساً على عقب أسرعت إلى غرفة شقيقتها وقلبتها فوق رأسها واشتبكتا الاثنتين بالأيدي وباللكمات والضربات حتى تدخلت الأسرة لفك نيران الغيرة والخلافات تلك التي لاتنتهي بين الأختين، وقد قررت الأم في نهاية الأمر تنحي ابنتيها عن واجبات المنزل واستلام زمام الأمور بعد أن تمنت من كل قلبها سرعة قدوم "النصيب" لهما!.وعلى الرغم من أن "فرح وشهد" شقيقتان (توأم) إلا أن الخلافات المستمرة لاتنتهي بينهما، بسبب كثرة الخطاب من الشبان الذين يتقدمون لخطبة "فرح" دون شقيقتها "شهد" على الرغم من الشبه الكبير بين الأختين، مما ولد غيرة كبيرة في نفس "شهد"، حيث اتصلت يوما على شقيقة خاطب أختها وأخبرتها بأنها فتاة كسولة ولاتمت للنظافة بصلة، إلى جانب حبها لامتلاك الأشياء لنفسها ورغبتها في زرع الخلافات بين الناس، وحينما بلغ ذلك لشقيقتها "فرح" دب خلاف كبير بين التوأمين انتهى بكسر قدم "شهد" وهروب خاطب "فرح" من الشباك!!. في حين تعيش "أم سعود" أزمة حقيقية بين سلسلة الخلافات التي بين ابنتيها، فقد شاءت الأقدار أن تتعثر إحدى ابنتيها في دراستها، وذلك لضعف التحصيل العلمي لديها، فتركت التعليم ومكثت في المنزل لتقوم بدور "الطبخ والنفخ" في حين تميزت شقيقتها الأخرى بالتفوق في تحصيلها العلمي ليس فقط على مستوى زميلاتها في الفصل بل على مستوى المنطقة؛ الأمر الذي أشعل فتيل الغيرة في نفس شقيقتها فأقامت عليها حرب البغض والكراهية بشكل اصبح معروفاً على مستوى الأسرة؛ حتى أنها أصبحت ترفض أن تجلس في المكان الذي تجلس فيه شقيقتها المتفوقة، وقد حاولت الأم كثيرا حل تلك النزاعات بين ابنتيها دون جدوى، وفي النهاية أدركت أن هناك غيرة عمياء تعصف بداخل ابنتها التي انقطعت عن التعليم وأصبحت ترى أن شقيقتها سبب تعاستها في الحياة!. وقصة أخرى عن هذه "الغيرة" القاتلة بين الشقيقات، حيث تسببت "منال" بكسر أنف شقيقتها "مرام" بعد أن سخرت منها ومن قصر قامتها ووصفتها ب"الناموسة"، مما استثار غضب "مرام" فتوجهت فورا إلى كتبها الدراسية ومزقتها بعد أن سكبت عليها العصير، مما سبب ذلك الموقف حربا في المنزل والتي استمرت أثرها أكثر من يومين حتى تدخل "الأب" الذي أقسم بأن يعاقب الشقيقتين بحرمانهما من مصروفهما الشهري، ومن الخروج من المنزل لأسبوعين كاملين دون الاستئناف في الحكم!. الأسرة هي السبب! وقد أوضح الأخصائي الاجتماعي والمتخصص في علم الجريمة الدكتور صالح العقيل أن من أهم الأسباب الداعية لزرع الغيرة والخلافات بين الشقيقات هي الأسرة ذاتها، وبعدها في التعامل بين الأبناء على أسس العدل والمساواة، مما قد يسبب التشاحن فيما بينهما خاصة تدليل الابن الأصغر، وقد لايكون ذلك سيئا ولكن لابد من توضيح الأسباب للكبير حتى لاتزرع الغيرة في نفسه، خاصة بأنه يتم تلبية طلبات الصغير من الأبناء وذلك للتخلص من كثرة إلحاحه، إلى جانب أن الآباء غير حذرين في ألفاظ التعبير التي يستخدمونها خاصة عبارات الثناء والإطراء التي قد نخص فيها فرداً دون آخر، فتخلق الغيرة وبالتالي تنشب الخلافات وربما لاتظهر آثار ذلك على الابن في نفس الوقت، ولكن قد تظهر مستقبلا، كما أن الأسرة قد لاتربي الأبناء على الشعور بالفرح لإنجازات بعضهم لبعض والشعور بأن النجاح يعم الجميع، بل إن الأبناء تربوا على اعتبار أن النجاح حالة تخص الشخص بذاته فالأسرة هي المسبب الوحيد لمثل تلك الحروب التي تنشب بين الأبناء في المنزل.