لا ننهزم، ولا نستسلم ونأخذ قرار التخلي عن إرث الجغراسيا والتاريخ، والوعي الذي مارسناه عبر أزمنة طويلة. غير أن هذا لا يعني بأننا لسنا يائسين إلى حد الفجيعة من مستقبلاتنا، وحاضرنا، وأن الدروب أمامنا وعرة وكثيرة المنزلقات، وأن أنفاقاً معتمة ومخيفة تقودنا إليها تلك الدروب لكن الأمل في إنسان هذه الأمة أن لا يزعزعه اليأس، فإذا غلب عليه فمن الواجب أن يمضي في طريقه وهو يائس، بمعنى أن لا يتوقف، ولا يجلس متفرجاً، وإنما يسير، يحاول أن يسير، يجد الرغبة في أن يسير، يتكئ على جراحاته، وعذاباته، وأوجاعه ويسير؛ فخطوة إلى الأمام هي تعبير عن حياة، عن وجود، عن كائن يقاوم الموت، ويعشق الحياة، وبالتالي صناعة المجد، وتسجيل الحضور وإن لم يكن فاعلاً في فضاء المجتمع الأممي. لقد زلزل كياني، وفتح الجروح داخلي كما فوهات البراكين ما قرأته قبل أيام. «تقرير صدر مؤخراً عن منظمة اليونسكو يتنبأ بما أسماه (موت) اللغة العربية، واقتصار دورها على المساجد، وقراءة القرآن فقط». وقال درويش الأستاذ بكلية دار العلوم في محاضرة «إن الإحصائيات تؤكد انقراض ثلاثمئة لغة في القرن الماضي. بمعدل ثلاث لغات في كل عام، أمام لغة جديدة» مبرراً ذلك «بظواهر علمية تؤكد أن اللغة العربية ستختفي في وسائل الإعلام والإعلان والمؤتمرات والكتب التي تؤلف بها، مما يعني صحة تقرير اليونسكو». والسؤال. السؤال: - هل هي اللغة فقط، أم موت الأمة العربية كوجود، وحضارة، وثقافة، ووعي، وتأثير، وفعل قرار، ورأي ، وبقاء العربي كعنصر بشري مهمّش، ومبعد، يمارس التيه والتشرد، والانغلاق، والدونية، ويضيع ويذوب داخل المجتمعات والقوميات الأخرى المنتجة، والمؤثرة، والمبدعة، والخلاّقة..؟؟ أحسب أننا أمة نسير في هذا الاتجاه المؤلم، لأننا أمة أصبحنا نمارس ثقافة الموت بكل طواعية ، وبكل إصرار، رافضين ثقافة الحياة، والعطاء، والإنتاج، والتفاعل مع الحضارات الأخرى كارهين لكل نمط من أنماط المعرفة والتنوير، أو لكل ما يوحي بالتميز، والتفرد، والمشاركة في بناء الحضارة الإنسانية. هل نستدعي النماذج..؟؟ لا، لا. إذ يكفي أن نستعرض جغرافيا الأمة من شواطئ المحيط، إلى ضفاف الخليج لنستوعب الشواهد على التخلف، والجهل، والهمجية، وممارسات القتل، والتدمير، ودك حصون الحداثة، والتحديث. ونقول: - قابيل ماذا فعلت بأخيك..؟!