لا يخفى على أحد سوء الوضع الحقوقي الذي نعيشه مع الأسف الشديد، فهذا مما لا يحتاج إلى شرح وتوضيح. فمن أحكام بلا تنفيذ، وشيكات بلا رصيد، ومساهمات سلب أصحابها أموال المواطنين، كل ذلك ليس بجديد، فمن يعش في بيئة معينة فهو يتعايش معها، ويصبر على سلبياتها، ويؤقلم نفسه على أجوائها وإن كانت غباراً معتمة الرؤية، لكن الجديد هو حقيقة مُرّة، صدمت وأنا أتلقاها عبر وسائل الإعلام المختلفة، فقد كشف آخر تقرير للبنك الدولي حول سهولة أداء الأعمال في المملكة عن تراجع مؤشر (إنفاذ العقود) في بلادنا إلى مرتبة (140) عالمياً من أصل (183) دولة شملها التقرير!! هذا المؤشر (إنفاذ العقود) يعتبر مقياساً لعدد الإجراءات، والمدة والتكلفة اللازمة للتوصل إلى حل المنازعات التجارية، وهو أحد المؤشرات التي يستخدمها البنك الدولي في تقريره لقياس التكاليف والوقت اللازم لأهم الإجراءات المؤثرة على أداء وسير الأعمال، وللأسف فقد كان ترتيب المملكة قبل ثلاث سنوات (97) ثم تراجعنا في العام الذي يليه إلى المرتبة (120) واستمر التراجع إلى المرتبة (137) في العام الماضي، وها نحن اليوم نكمل المسيرة إلى المرتبة (140)!! لغة الأرقام لا تكذب، تعكس واقعك بشكل جاف خالٍ من المجاملة والتبرير، تصدمك بجرأتها، تجبرك نتيجتها على إعادة حساباتك، وفهم واقعك على حقيقته. وما جاءت به الأرقام آنفة الذكر أمر يصعب تصديقه. أقول ذلك على الرغم من معايشتي لهذا الواقع من خلال عملي في هذا المجال لأكثر من عقدين من الزمان، فهل يعقل أن تكون هذه مرتبتنا في هذا الجانب المهم في حياة الناس وتعاملاتهم، هل نحن من دول العالم الثالث؟ وهل يليق هذا ببلد دستوره كتاب أمر بالوفاء بالعقود وسنة فصلت في ذلك؟ الشريعة الإسلامية جلية واضحة بأحكامها ومقاصدها المفهومة من مصادرها، ودعوتها لكل ما من شأنه حفظ الحقوق أمرٌ نراه واضحاً في نصوصها، قال تعالى: (يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود)، ويقول جل وعلا: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث؛ إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان). يا سادة: مشكلتنا هي في تطبيق هذه الشريعة التي بين أيدينا، فوالذي نفسي بيده لو طبقنا تعاليم الشريعة كما ينبغي لأصبحنا بكل جدارة واستحقاق في المرتبة الأولى في (إنفاذ العقود)، ولأصبحت بلادنا مثالاً يحتذى وأنموذجاً يُقتدى.. وحتى لا تكون نظرتنا سوداوية، فالكأس ليست فارغة تماماً، فهناك من يصب فيها، ويبذل جهده ليملأ أكبر قدر ممكن منها، فالقائمون على مشروع الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء يبذلون قصارى جهودهم، والأمل مقعود عليهم لتحقيق أهداف ولاة الأمر وفقهم الله. نسأل الله أن يعينهم ويوفقهم لما فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة. * التويجري - محامون ومستشارون