في تجربتها السردية الأولى تقدم هديل محمد روايتها ( ذاكرة سرير ) بحكاية إنسانية ، تتكئ على حكاية معاق انتصر في معركة الحياة بإرادته وعصاميته التي أتاحت له أن ينال نصيبه من الحياة ، الرواية تمثل تجربة البدايات . وهي تمثل نزوع الروائي إلى تدوين الحالات الاجتماعية في نصه السردي .وفي هذا الحوار مع مؤلفة الرواية هديل محمد لنتعرف على ملامح روايتها ذاكرة سرير : { برغم أن العنوان يحمل ذاكرة سرير .. إلا أن السرير في أبعاده السردية لم يحضر كما يشير إليه عنوان الرواية.. حتى اللمحة التي تلامس حكاية المعاق لم يلعب فيها السرير دور البطل ؟ لم أرد للسرير أن يأخذ دور البطولة فالأصل هو التمرد على السرير تبدأ الرواية وتنتهي ومحمد على سريره مع فارق شديد في الزمن والمشاعر ، الأول هو سرير المرض والأمل حيث قضى عاماً ومن سفح سريره يأتينا خليط بين الحاضر والماضي ثم تجد التمرد على السرير هو الدافع الأول لهمة محمد فهو يكافح لينجح وينفي ضعف قدراته وعجزه هذا التمرد هو سبب بحثه عن عمل وسكن خارج حدود الرياض وحدود المعونات المقدمة له تلقائيا من ذويه لاحقا يأتي الخوف من العودة للسرير كمحرك أساسي لعلاقته مع أبنائه فهو يعد فيصل مبكرا ليتولى خلافته وترهقه خيبات الظنون في ذلك الشاب، ذات الخوف هو السبب الذي من أجله يقرر مراراً العودة للرياض بعد كل هذا الصراع نراه على سريره يجتر الذكريات مرة أخرى لكنه يرى نفسه منتصراً ويستعرض بطولاته. { إيقاع الزمن لم يكن متوازناً .. نجد أحيانا التفاصيل الصغيرة والسرد الموغل في هوامش الشخصيات .. وأحيانا نجد قفزات زمنية ..هذا الإيقاع المرتبك ما تفسيره ؟ أجزاء النص تفسر بعضها بعضاً والتفاصيل الدقيقة للشخصيات تعطي خلفية لما هو آتٍ فتجد أن ردود أفعالهم لاحقا متناغمة مع تفاصيل بداياتهم، محمد الذي تعلم عدم الشكوى يتطور معه الأمر ليكف عن التعبير عن مشاعره الايجابية ، أيضا أحلام التي عانت من الحرمان تطالب بالكثير من الحب والحنان،القفزة الزمنية كانت تشير إجمالا إلى سنوات من الاستقرار لأن الخوض في كامل تفاصيل الخمسين عاما سينتج لنا مجلدات نحن في غنى عنها فمن مميزات العمل الروائي عامة أنه يختزل لك السنوات في صفحة ويستعجل مرحلة ليصل لما بعدها وعندما نختزل سنوات فنحن لا نتجاهلها لكننا نقلل من تسليط الضوء عليها وحسب . { العلاقة بين محمد وأحلام علاقة مثالية ..كان هناك انحياز من الساردة لتجميل تلك العلاقة في شكلها المثالي ..لماذا كل هذا الانحياز ؟ علاقتهما لم تبدأ من الزواج بل كان كل منهما موجود في أحلام الآخر وطموحاته بحياة مستقرة فحين تكون حركة عقارب ساعة محمد مرتبطة بحركة الحبيبة حوله ويكون محمد هو مصدر الأمان الوحيد لأحلام وبعد لقائهما أخيراً لابد أن يكون لديهما رغبة شديدة في تقديم التنازلات ليسعد كل منهما الآخر ويستمد هو بدوره سعادته. مع ذلك أقول لك إن علاقتهما لم تكن مثالية فهناك الكثير من الاختلافات في الشخصية والخلافات المحورية التي كان الاثنان يواجهانها بسلبية متمثلة في سخط صامت. { شعرت أن شخصية عبيد شخصية ملصقة بالنص ..وكذلك لم يتم استثمارها في السرد ؟ لعل شعورك جاء من كون عبيد ملصقاً أصلاً في الحياة لكونه مجهول النسب ومنفياً اجتماعياً لكن عبيد كان متواجدا في حياة منصور الأب وكذلك متواجداً في أكثر من منطقة في حياة محمد لم يكن عبيد شخصية محورية في القصة لكنه يقول الكثير والكثير فهو ينقل لنا صورة عن عالم آخر نجهل تفاصيله الدقيقة ابتداء من دار الأيتام وانتهاء بالحي الفقير الذي يسكنه و رغم أن وجوده شحيح في تكراره لكنه سخي في عطائه.. { ذائقتك تتجه إلى الرواية الشعرية ..لكن نصك جاء بلغة بسيطة ومباشرة .كيف يتم التوافق بين ذائقتك ولغتك في النص ؟ لا أكتب وفق ذائقتي بل اكتب وفق ما تفرضه علي شخوص الرواية والسياق العام ، بساطة السرد جاءت من بساطة المجتمع والأبطال فأسير مع الأحداث لا أسيرها، من جهة أخرى أقول إني أيضا لا أقرأ وفق ذائقتي وإلا لما أصبح لدي معيار للانبهار والدهشة ، يأتي دور الذائقة أخيراً لكي تقول (أحببت هذا العمل)وليس لها دور في الاختيار منذ البدء { في فلم دانيال لويس في فيلم " قدمي اليسرى " Daniel Day-Lewis - My Left Foot..كان البطل معاقاً والفيلم قدم نموذجاً للمعاق الذي يتجاوز إعاقته ويبدع ولكن لم يتم تصويره في تلك الحالة التعاطفية ..كان به شر و به أيضا نوازع الإنسان بكل أطيافها..أنتِ أخذت بطلك في دور التمجيدي ..لم تكن هناك حالة تضاد تقدم نموذجاً لمعاق إنساني محتشد بما هو أعلى تجاوز محنة الإعاقة.. لا مجال لمقارنة بطل روايتي ببطل الفيلم فلكل منهم خلفية ثقافية مختلفة ومكان وزمان مغايران، أضف لذلك حضن الأسرة وتبنيها للمعاق ودعمه معنويا ومادياً بحيث لا تنمي عنده أحقاداً ضد الآخر هذا أمر. الأمر الآخر أن للكاتب حرية إبراز ما يراه كي يوصل رسالته كما يجب ومحمد في روايتي لم يكن ملاكاً ولا رجلاً خارقاً بل كان نتيجة تضافر جهود والديه تلتها جهوده التي تكللت بنجاح لم يحققه الأصحاء. { تقولين أكتب وفق ما تفرضه شخوص روايتي.لكن عندما سألتك لماذا لم يتم التوغل في الشخصيات وتقديمهم بجرأة..قلتِ: أبطالي لا بد أن أجملهم.كيف أوفق بين إجابتك وبين إملاء الشخوص عليك وبين رغبتك في تجميل الشخصيات؟ لو كتبت الواقع دون أي إضافات لكان ما اكتبه تاريخاً يقتصر دوري فيه على الرصد وحسب. توغلت في التفاصيل بقدر كبير مع ذلك تبقى دوما تفاصيل خفية لتترك أسئلة مفتوحة لدى القارئ يجيبها هو وفق تصنيفه للشخصية وقربها أو بعدها منه. هناك فراغات تعطي القارئ مساحات ليعمل خياله فيضع نهايات ترضيه يبني حدثاً على آخر يربط أموراً لم أقم بربطها وربما لم أفكر فيها أصلا. قمت بتجميل الشخوص وفق ما يخدم النص ويتماشى مع زمانهم وتربيتهم الدينية الصارمة في ذلك الوقت. سعيت لأجعل فطرتهم السليمة هي المسيطرة على الحدث لأن هذا ما كنت أراهم عليه بمعنى انه ليست تجميلاً بقدر ما هو إبراز جمال مع ذلك أقول إن إثبات الشيء لا ينفي عكسه حيث ستجد بعض السلبيات حتى في الشخصيات الأكثر مثالية في روايتي. من جهة أخرى ستجد في النص أيضا شخصيات سلبية لأنه لابد من توازي كفتي ميزان المجتمع فلو كان كل المجتمع خيراً لما نشأت المعاناة. { عندما تم الاقتراب من عوالم الانترنت في النص وجدت السرد حميمياً إلى حد كبير في بعض تفاصليه.ومع هذا تلبست تلك الحالة المتوقعة ..لم أجد الصادم في السرد ؟ في مثل قصة هدى وراكان كان لا بد للقصة أن تنتهي بارتباطهما أو انفصالهما وكل خياراتهما ستجدها تحت إحدى هاتين المظلتين. ما تجده أنت متوقعاً، آخرون يجدونه صادماً والعكس. { الاغتراف من سيرة ذاتية في السرد .كيف كان انضباطك في الالتزام بما هو سيرة ذاتية وبين ماهو متخيل ؟ لم أكن بحاجة لانضباط لكوني غير ملزمة بأمانة النقل نعم أصول روايتي مستمدة من الواقع لكني بعد رصده أضفت وعدلت واستبدلت بعض الأمور وهناك بعض الشخصيات التي كانت عالة على واقع أبطالي ولم تكن محركاً أساسياً لم أتطرق لها كما أن هناك شخصيات لم تكن واقعية لكنها كانت تدير الحدث في روايتي .