نجاح الممثل الأمريكي بروس ويليس في السلسلة الشهيرة (الموت الصعب-Die Hard) جعل اسمه مرتبطاً بأفلام الأكشن رغماً عنه, فالممثل الذي لم يكن شيئاً قبل ظهور الجزء الأول من هذه السلسلة عام 1988 لم يشفع له تقديمه لأفلام مميزة في أفكارها وأساليبها لكي يخرج من قائمة نجوم الأكشن التي تضم سيلفستر ستالون, آرنولد شوارزنجر, ستيفن سيغال وجاكي شان. ولعل سبب ذلك يعود إلى أن الأفلام الرائعة التي قدمها خلال مسيرته كانت إلى جانب عمقها الفكري وجمالها الفني مليئة بالحركة والمتعة والحيوية؛ مثل فيلم (اثنا عشر قرداً) 1995 مع براد بيت, و(العنصر الخامس) 1998, وفيلم (مدينة الخطيئة) 2005. ولا يبدو أن فيلمه الجديد (مستنسخون-Surrogates) الذي انطلقت عروضه في 25 سبتمبر الماضي استثناءً من ذلك حيث ضجت مشاهده بالحركة والإثارة رغم عمق الفكرة التي يطرحها. يتناول فيلم (مستنسخون) –كما هو واضح من عنوانه- فكرة الاستنساخ لكن ليس من الزاوية العلمية التقليدية التي تجري الآن في المختبرات والتي خلقت لنا الماعز "دوللي", بل من زاوية أعمق تتأمل في شكل الحياة الإنسانية بعد خمسين سنة من الآن حين تصل ثورة العلم إلى أقصى حدودها ويصبح من السهل على الإنسان أن يغير جسده في أي لحظة يريدها وبالشكل الذي يريد؛ فالبشر في ذلك الوقت ومع تطور عمليات التجميل وثورة التقنية سيجلسون في منازلهم لا يغادرونها أبداً وسيضعون على أعينهم وآذانهم أجهزة تحكمٍ تجعلهم يسيطرون على حركة الروبوتات الآلية التي اختاروها لتكون بديلاً عنهم في الحياة الواقعية, فهي التي ستخرج إلى الشارع لتقوم بأعمالهم وتتسوق لهم, بل وتُحب بالنيابة عنهم, في استنساخ للحياة.. لكل الحياة. العالم في ذلك الوقت سينقسم إلى عالمين؛ عالم المستنسخين وهو متطور وغني وكل من يعيش فيه اتخذ له روبوتاً آلياً يقوم عنه بأعباء الحياة كلها, ثم عالم المناهضين للاستنساخ الذين ثاروا ضد التقنية التي تهدد الوجود الإنساني وهؤلاء فقراء يعيشون على هامش العالم الأول المتطور. و"بروس ويليس" مُتذبذب بين العالمين, فهو من جهة يعيش حياة مهنية ناجحة في العالم المستنسخ حيث يؤدي دور محقق في الشرطة, ومن جهة ثانية يشعر بأن حياته مصطنعة تخلو من الروح والعاطفة؛ إذ يقضي كل يومه نائماً في غرفته, غارساً رأسه في آلة التحكم بالروبوت الآلي الذي يتواجد في الشارع بدلاً عنه, ولا يلتقي بزوجته إلا عبر هذا المسخ الآلي, وحتى زوجته لا تظهر له بجسدها الحقيقي المترهل, بل تنام في غرفتها وترسل له جسماً آخر أكثر نضارة وإشراقاً.. لكنه لا يرتاح لكل ذلك ويبدأ في التساؤل عن معنى الحياة بهذا الشكل: أين الطعم الحقيقي للحياة؟. شخصية المُحقق "توم غرير" التي يؤديها "بروس ويليس" في الفيلم قريبة الشبه بشخصية "سميث" بطل الرواية العظيمة "ألف وتسعمائة وأربعة وثمانون" للبريطاني جورج أورويل, فالمأزق الروحي واحد بين الشخصيتين, سميث يعمل في وزارة الإعلام في دولته الشيوعية ويبدأ في الانحياز للثوار لحظة اكتشافه أن الدولة تزيف تاريخه وحياته, وكذا الأمر بالنسبة لمحقق الشرطة "توم" الذي سئم حياة التصنع ويرغب في إزالة جهاز التحكم من على رأسه والخروج للشارع ليعيش حياةً طبيعية. إنه يتوق للعودة إلى أحضان الطبيعة بعيداً عن مظاهر التطور التقني, وسينتظر حتى تقع جريمة قتل ضد أحد المستنسخين ستكشف له أن هناك ثواراً من العالم الفقير عثروا على سلاح فتاك سيساعدهم على القضاء على "آلة الاستنساخ" التي استعبدت البشر وتحكمت في حياتهم. كانت جريمة القتل نقطة لقاء بين العالمين المتناقضين, وفي قلبها سيجلس "توم" حائراً لا يدري إلى أي الفريقين يميل, فهل يشارك في الثورة أم يستمر في رضوخه؟. وخلال ذلك سيؤدي مهمته –كمحقق للشرطة- على أكمل وجه وسيبحث عن القاتل وعن صانع السلاح في رحلة امتلأت بمشاهد العنف والحركة زادت من حيوية الفيلم وجعلته أقرب إلى تهمة "الأكشن" التي يسعى "بروس ويليس" للهرب منها؛ خاصة مع هذا الفيلم الذي يطرح فكرة عميقة عن هوس الناس بعمليات التجميل وعبادتهم لوسائل الإعلام التي قدمت لهم حياة وهمية بلا طعم, وما العالم المستنسخ الذي صوّره الفيلم إلا ثمرة مستقبلية لهذا الهوس ونتيجة حتمية له.