يقطنون في العراء يرقبون غيوم الشتاء بتوجس ، وفي أعينهم تبدو الحيرة ، ما العمل ؟ يبدو أن قدرهم أن يكونوا أداة للمقايضة والابتزاز وجثة يعتقدون أنها لا تحس .. هؤلاء هم مشردو غزة القطاع الذي يقطنه أكثر من مليون ونصف المليون إنسان يعيشون على مساحة 45 كيلو متراً مربعاً فقط . قبل عشرة أشهر شرد العدو الصهيوني أهالي غزة شر تشريد ومزقهم شرق ممزق ، على مسمع ومرأى من العالم ، فأصبح البعض منهم يفترش الأرض ويلتحف السماء ، فالمأوى من كرتون و المدارس من صفيح ، وفي العراء تنتثر العائلات كأنما عاصفة مرت من هنا . الشتاء يطرق باب هؤلاء الفقراء بكل ما يحمل من مطر وبرد قارس ، في مطلع العام الحالي وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ، تنادى العرب ودول العالم لمعاونة إخوتهم في غزة فجمعوا ما يقارب أربعة مليارات لإعادة إعمارها ، وما أن جمعت الأموال حتى ظهرت العراقيل مرة من الجانب الإسرائيلي وأخرى من الفلسطيني وأخرى من المجتمع الدولي والعربي ، يحس سكان هذا القطاع أنهم وضعوا في مساومة لأغراض سياسية بحتة ، فأهمل جانبهم الإنساني فهم علاوة على ما أصاب أفئدتهم من فقدان لابن أو حبيب هاهم يرزحون تحت ظلم ذوي القربى. عن معوقات إعمار غزة ونسيان هذا الملف في دهاليز السياسة تحدث عدد من المعنيين ل " الرياض " عن أسباب تعطيل الإعمار في غزة فيقول الدكتور يوسف المنسي وزير الأشغال في حكومة حماس بعد ما انتهت الحرب بفترة قصيرة تداعت دول العالم الصديقة في شرم الشيخ من اجل إعمار غزة ، إلا ان هذه المبالغ اشترطت بمواقف سياسية من الصعب تحقيقها فحتى يتم الإعمار لا بد من رفع الحصار وفتح المعابر وحتى يرفع الحصار لا بد من الوفاق .. وهذا من غير المنطقي فكيف تربط معاناة الناس بقضايا تحمل اختلافات سياسية ، كما ان بعض الدول الغربية اشترطت أن يكون الإعمار عن طريق حكومة رام الله .. ثم اشترطوا الموافقة على شروط الرباعية ، إذن القضية تحمل شقين تسييس المال واستمرارية الحصار . واضاف "الكل يعرف أن الشتاء سيحمل معه كوارث ، وللأسف الكل ينتظر فتح المعابر .. ونحن في الوزارة قدمنا خطة للإعمار وهي منشورة على موقع الوزارة على الإنترنت". يمضي الدكتور المنسي في قوله :لا نشترط أن ندير عملية الإعمار بإمكان الجهة التي ترغب في ذلك الإشراف على عملها نحن نقدم الخطة ونقبل المقترحات ونتناقش حولها .. ويضيف " الجهات الدولية ك (الاونروا) لا تتعامل معنا ومهماتها معنية باللاجئين القاطنين في القطاع ، ولكن بيننا وبينهم تعاون فيما يخص مناطق اللاجئين ، كما أنها لم تدخل كيس " اسمنت" واحد فهي لا تملك .. وتخضع لإسرائيل ، والمفترض أنها كجهة أممية عليها أن تصارع وتدخل المواد وتبدأ بالبناء ... للأسف الموضوع يبدو انه يستغل للضغط على الحكومة ، ولكن في الحقيقة هو ليس على الحكومة فقط بل على الناس المتمسكين بالحكومة " . في الجهة المقابلة يلخص الدكتور محمد شتية وزير الأشغال في السلطة الفلسطينية احتياجات عملية الإعمار لعوامل أهمها رفع الحصار الإسرائيلي على غزة ، فلا يوجد داخل القطاع أدوات بناء ، ومن المتعثر ان يقوم هناك أي شكل من أشكال البناء ، الأمر الآخر ان المانح يريد ان يرى المؤسسة الفلسطينية موحدة فهو – أي المانح – لا يريد أن يتشتت بين سلطة هنا وهناك ، الأمر الأخير أن الأموال غير متوفرة فحتى هذه اللحظة لم تقم أي دولة بدفع ما تعهدت به من اجل الإعمار . وعبر الوزير شتية عن امله ان يصل الثلاثي في غزةورام الله والجانب المصري لإتفاق يفتح من خلاله معبر رفح ، مشيراً إلى ان اللاعبين الرئيسين في المعبر وهم مصر والسلطة والاتحاد الأوروبي وحتى هذه اللحظة يعتقدون ان الأجواء غير مواتية .. فالأوروبيون يرفضون الحضور وعذرهم في ذلك تتلخص إجابته في ضرورة الاتفاق بين الأطراف الفلسطينية .. نحن في دوامة والمخرج هو المصالحة وبالتالي الانتخابات .. كما أن لدينا إشكالاً وهو انتهاء الفترة القانونية للرئيس والمجلس التشريعي .. توجهت «الرياض» للمسؤولين في وكالة تشغيل وغوث اللاجئين (الاونروا) لنعرف لماذا سبب نسيان هذا الملف ويعلل الناطق باسم المنظمة الأممية عدنان بوحسنة ذلك قائلاً منذ ثلاث سنوات وإسرائيل تمنع دخول مواد البناء لسبب سياسي وهو الجندي "شاليت" ، فإسرائيل تربط هذا بذاك ولا يهمها الموضوع الإنساني ، فمثلاً لدينا مشاريع في جنوبغزة لم تكتمل وأنجز منها الشيء البسيط ، و التدمير الذي حدث في غزة مطلع العام الحالي من قبل إسرائيل دمر عشرات آلاف من المنازل ومازال آلاف من الناس في الخيام ، هناك مئات المنشآت الخاصة والعامة وحتى مباني (الاونروا) لم تسلم ولم نستطع بناءها ، ومع دخول فصل الشتاء سيتأثر طلاب المدارس بلا شك ، لأن عشرات آلاف منهم دمرت منازلهم ، ونحن لدينا خطط لبناء مدارس ولكن لا يمكن ذلك إلا أن نزحم الفصول بالطلاب الأمر الذي يعني التأثير على العملية التعليمية ، فقد وضعنا المدارس في عربات " الكرافانات" أو مسقوفة بالصفيح ، ويرفض بوحسنة الولوج في المسألة السياسية والجدل بين حماس وفتح ، إلا انه كممثل ل "للإونروا" يرى أن المشكلة إسرائيلية ويقول نحن نجتمع بشكل دوري مع الإسرائيليين الذين يشترطون إطلاق "شاليت" وبدونه لا يمكن أن يسمح بذلك ، وعن إمكانية استغلال معبر رفح يقول إنها "قضية سياسية" في المقام الأول ولا ارغب في الحديث حولها ، لأننا لدينا معابر معترف بها مع الجانب الإسرائيلي ، وهي معابر لإدخال مواد بناء ضخمة مثل معبر المنطار وكرم أبو سالم ، أما معبر رفح فهو مخصص للأفراد .. ولا يمكن أن نرمي الكرة في الجانب المصري فهذا المعبر غير مهيأ وإذا أريد له ذلك فيستوجب ذلك اتفاق متعدد الأطراف بين السلطة ومصر وإسرائيل. إلا أننا عدنا لنذكره بأنفاق غزة التي يهرب من خلالها كل شيء بما فيها مواد البناء فما بالك بمعبر حدودي فوق الارض ، فيقول عن ذلك : ما يمر عبرها كميات ضئيلة .. هناك مسؤولية على إسرائيل كقوة محتلة فهي تتواجد في البر والبحر وعلى المعابر . وفيما يسأل مسؤول أممي نفسه "رافضاً البوح باسمه" متى سنبدأ في البناء ؟ يقوم الفلسطينيون في تلك الأثناء ب"رتق" شبابيكهم المتكسرة بالبلاستيك لعدم توفر الزجاج ، فبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي وحسب مصدر رفيع يصف الوضع هناك بالدمار الهائل الذي شمل المنازل والمصانع ولم يعد بناء أو ترميم منزل واحد بعد الحرب على غزة ،مضيفا" نحن نفتقر لأبسط المواد فحتى الزجاج غير موجود ، والمواطنون من ميسوري الحال استعاضوا بالبلاستيك عن الزجاج . . . إسرائيل تمنع دخول جميع المواد ، ولذا فالمشاريع موقفة من عدة سنوات ، والناس تسكن في الخيام وعند أقاربها حتى وإن كانت تملك مالاً .. وهناك خطوات يقوم بها برنامج الأممالمتحدة الإنمائي من اجل المساعدة في غزة وذلك بمنح مبالغ مالية من السلطة في رام الله لأجل أن يتدبر الناس حاجتهم للسكن .. وما يحدث الآن فيما يخص التعمير والبناء تتلخص برفع الردم فقط ، لنسأل أنفسنا متى سنبدأ في البناء ؟ "ويلقي المسؤول الأممي بالمسؤولية كاملة على الاحتلال ، بسبب اعتماد المنظمة وبشكل رسمي على المعابر المسيطر عليها من إسرائيل. وعند السؤال عن معبر رفح وإمكانية استغلاله وصف وضع هذا المعبر بالشائك ، وقال هو معبر غير تجاري في الأساس ومغلق ، ولا نستطيع الحديث مع الجانب المصري حول ذلك لعدم وجود صلاحيات لدينا بالحديث مع أي جهة خارج نطاق البلد الذي نتواجد فيه ، وبشكل رسمي لا يمكننا التحدث إلا مع حكومة رام الله ، أما على الأرض أو الجوانب الفنية فإننا نتعامل مع الحكومة المقالة ، ولكن لا توجد علاقة رسمية بيننا وبين حكومة غزة وكل مؤسسات الأممالمتحدة غير مخولة بالحديث معها. هكذا يصف المعنيون الوضع والمعوقات فهم يتقاذفون مسؤولياتهم كما أمواج غزة التي تتقاذف في بحر سقطوا وتاهوا في ظلماته ، مشردو غزة يقفون على أنقاض منازلهم ، لعل الرحمة تمر من هنا .