قبل أكثر من عقد من الزمان كان إدخال خط هاتفي يتطلب استنفار كل الوساطات واستنزاف الوقت وماء الوجه في المراجعات والانتظار حتى تتكرم إدارة الهاتف بإعطاء موعد وتجميع المشتركين في حافلة للكشف والانتظار حتى يتم التركيب والفواتير يتم باستلامها عبر طوابير أو في البريد وتسديدها أيضاً في طوابير طويلة واليوم تتم هذه الأمور في دقائق معدودة عبر الهاتف أو الإنترنت، وهذا الأمر ينطبق على خدمات الجوازات والمرور والخطوط السعودية والبنوك وغيرها ضمن مشروع التعامل الإلكتروني. في عام 2006م أي قبل ثلاث سنوات ونصف وافق مجلس الوزراء على تخصيص ثلاثة مليارات ريال لتنفيذ مشاريع الخطة التنفيذية للتعاملات الإلكترونية الحكومية للخمس السنوات الأولى لتقديم ما لا يقل عن 150 خدمة إلكترونية حكومية تضم أكثر من 1000 خدمة فرعية تقدمها 40 جهة حكومية. ويأتي ذلك ضمن جهود الإصلاح الإداري والاقتصادي وتحديث قطاعات الدولة مستفيدة من منجزات تقنيات الاتصالات والمعلومات، والمستهدف في ذلك هو المواطن سواء كان فرداً أو مؤسسة وتقديم خدمة حكومية متميزة بوسائل إلكترونية آمنة بأقل زمن وجهد وحسب الحاجة في الوقت المناسب. وقد سبقنا في تجربة الحكومة الإلكترونية عدد من دول الخليج مثل الكويت في أغسطس 2000م والإمارات في نوفمبر 2001م، ولكن رغم حداثة التجربة في السعودية فإن المشروع حقق خطوات كبيرة من أهمها تجربة ديوان مجلس الوزراء نفسه، حيث طور نظام معاملات الديوان الإلكتروني وهو عبارة عن شبكة مغلقة للمعلومات تربط مقرات الديوان في كل من الرياضوجدة والطائف ومنى ومكة المكرمة عبر دوائر نقل معلومات عالية السرعة وآمنة واختصرت بفضل النظام المدة الزمنية لإنجاز المعاملات من ستين يوماً إلى أقل من ثمانية أيام، وعرضت هذه التجربة خلال المنتدى الثالث عشر للحكومة والخدمات الإلكترونية في دبي في مايو 2007م أي بعد عام واحد من قرار مجلس الوزراء بإنشاء الحكومة الإلكترنية. ومع أن ثلاث سنوات ونصف لا تعد في عمر تقنية المعلومات والاتصالات فترة قصيرة نظراً للتسارع الكبير والتطور المتزايد الذي يشهده هذا القطاع فإن ما حققته الجهات المستهدفة وعددها 148 جهة تعد جيدة بشكل عام على تفاوت في مستوى ونوعية تحولها إلى مشروع الحكومة الإلكترونية، وبحسب التقرير الصادر عن برنامج الخدمات الإلكترونية الحكومية (يسر) الذي نشرته صحيفة المدينة فإن هناك 31 جهة حكومية لم تستجب حتى الآن للمشروع في مقابل 15 جهة كان أداؤها متميزاً، والحديث هنا عن مرحلة التنظيم المؤسسي للتعاملات الإلكترونية الحكومية التي إن اكتملت فإنها تؤهلها لمرحلة إتاحة الخدمات الإلكترونية. ميزة التعاملات الإلكترونية أنها تقضي على البيروقراطية إن طبقت بشكل صحيح، لكن المشكلة هي أن بعض التطبيقات هي نفسها تعاني من البيروقراطية في ظل عدم وجود منظومة كاملة من المعلومات التي تنتقل بدقة وانسيابية بين الدوائر الحكومية المختلفة، فكثير من الدوائر الحكومية تطالب المراجع بكمية من الأوراق والمعلومات والإثباتات التي يمكن الحصول عليها في قواعد البيانات الحكومية والإدارات تطلب من المواطن أن يقدم لها معلومات عن نفسه بوثائق أصلية ولا تكتفي بذلك بل تطالبه بتصويرها من عامل البوفيه داخل أو خارج سور الإدارة، ومن المناظر العجيبة أمام إدارات الأحوال المدنية والمرور والجوازات ووزارة التجارة أن تجد عدداً كبيراً من الناس يبيعون النماذج والاستمارات ويقومون بتعبئتها لك بمقابل مهما كانت شهادتك وبجانبهم مكينة تصوير المستندات بمولد كهربائي صغير وجهاز كمبيوتر لتسديد الرسوم وبجانبه ملف علاقي أخضر بدرجة لون معينة لأن بعض الموظفين يرفضون الملف إن لم يكن أخضر بلون البرسيم. كثير من مديري الإدارات وجدوا أنفسهم مدفوعين دفعاً ليكونوا ضمن منظومة الحكومة الإلكترونية وهم غير مقتنعين بها لأنهم يجهلونها والإنسان عدو ما جهل، ولذلك فهم يطبقون الحد الأدنى من باب إبراء الذمة وأضعف الإيمان هو إنشاء موقع إلكتروني بائس وبمعلومات فقيرة وقديمة وأغلب الوزارات والهيئات والمؤسسات تجد أن إحصاءاتها الموجودة على الموقع قديمة لأكثر من سنتين ولا يوجد هناك تحديث للمعلومات والإحصاءات، وإذا كان القطاع الخاص استطاع أن يقفز قفزات سريعة في مجال الخدمات الإلكترنية وخاصة قطاع البنوك وسوق المال والاتصالات وشركات الطيران، فإن القطاع الحكومي رغم إنجازاته مازال بطيئاً وبعيداً جداً عن الهدف العام من برنامج الخدمات الحكومية الإلكترونية وهو أن يتمكن الجميع في عام 2010م (أي بعد أشهر قليلة) من أي مكان وفي أي وقت من الحصول على الخدمات الحكومية بمستوى متميز بطريقة سهلة ومتكاملة من خلال الوسائل الإلكترونية الآمنة. لماذا لم تستجب 31 جهة حكومية للمشروع وهل لها الحق في عدم الاستجابة في ظل قرار صادر من مجلس الوزراء وميزانية تبلغ 3 مليارات ريال للسنوات الخمس الأولى، والمهندس سهيل الألمعي مدير إدارة التخطيط الاستراتيجي والمبادرات المساندة في برنامج (يسر) يقول إنه لا يعلم أسباب عدم التفاعل أو الرد بتقارير من الجهات الحكومية على ما رفعه مسؤولو البرنامج مع أنه تم توفير البنية التحتية اللازمة لتنفيذ التعاملات الإلكترونية لجميع الجهات الحكومية، ولعل هذه المشكلة واجهت حكومة دبي الإلكترونية مما دفع مديرها الدكتور سالم الشاعر إلى الاعتراف بأن الخطأ الذي تم ارتكابه هو أنهم تركوا لكل دائرة ووزارة حرية إطلاق مشروعها الإلكتروني على حدة ولتلافي هذا الخطأ ربطوا تلك الخدمات في بوابة إلكترونية واحدة من قبل إدارة مركزية. المسألة الأهم في نظري هي أن من لا يؤمن بشيء لا يمكن أن يفعله بإتقان أو يؤديه بحماس وإخلاص ومن كانت عقليته بيروقراطية ورقية ضمن مدرسة الملف العلاقي وإحضار جميع الأوراق الأصل والصور وراجعنا بكرة لا يمكن أن يكون طرفاً في الحكومة الإلكترونية مهما كانت درجته الوظيفية أو خبرته الإدارية أو شهادته الأكاديمية، ولي زميلان أستاذان جامعيان كلاهما بدرجة أستاذ أو بروفيسور أحدهما في علم المكتبات يأخذ السي دي ويطبع جميع البيانات المتضمنة فيه على ورق ويحتفظ به، والآخر في تقنيات الاتصال يكتب مقالاته بخط يده على الورق ويرسلها بالفاكس وهما من أكثر الذين ينظرون عن الإنفوميديا والملتي ميديا والثورة المعلوماتية في العالم الرقمي.