من الأسئلة المتكررة في المقابلات المكتوبة والمسموعة والمشاهدة وحتى في أحاديثنا الجانبية نحن الأشخاص العاديين الذين نعيش تحت خط الشهرة ونملك وجوها لايتذكرها أحد وشخصيات لا يهتم بتفاصيها أحد. ذاك السؤال عن "أجمل خصلة فيك وأسوأ عيب فيك؟" وقد تستغرب الإجابات النمطية المتكررة، فالبعض يصف نفسه بأنه شديد الطيبة وشديد الحساسية ويختار خصلة من الخصال الحميدة ليجعلها أسوأ عيب فيه! نادرا ما تجد شخصا يقول؛ أسوأ عيب فيّ أنني أناني أحيانا، أو سيئ الظن أحيانا، أو أنني أفقد أعصابي بسهولة ثم أندم على ذلك. قد تكون إجاباتنا هذه هي نوعا من التجمل أو رغبة منا في تسويق أنفسنا فمن منا يجرؤ على أن يناقش عيوبه أو يذكرها، أليس كذلك؟ أحب كثيرا أن أتوقف أمام تلك الشخصيات التي تصف نفسها بأنها شخصيات حساسة أقصد "مرهفة الحس" ربما لأنني قابلت أناسا كثيرين منذ كنت في مرحلة الروضة يصفون أنفسهم بهذا الوصف، وسمعت كثيرا من آخرين نصائح تذكرني بأن "لا آخذ على خاطري من فلان ولا علان لأنه حساس ورقيق المشاعر". ولأنني لم اجد تعريفا واضحا للشخصية الحساسة مرهفة المشاعر، فقد قررت أن أراقب هؤلاء الحساسين وهم كثيرون علّي أجد سمة عامة لهذه الشخصية. كنت أظن – وظني خاطئ- بأن الشخص مرهف المشاعر هو شخص خرج من قبعة الأنانية والتقوقع على الذات، بأنه هذا الشخص الذي يتأثر بمشاكل الآخرين يحزن لحزنهم فهو شخص متفوق في مشاعره النبيلة تجاه هؤلاء الآخرين. فمثلا زميلتي في رحلة القهوة اليومية داخل أروقة المستشفى هي حساسة جدا في نظري المحدود، بدليل تأثرها بحالة المرضى الذين تراهم في طريقها وبدليل توقفها لتربت على رأس صغير ومحاولتها لمساعدة سيدة كبيرة في السن لا تعرف مكان العيادة ودموعها التي تنهمر تعاطفا مع مريض، لكن الآخرين لا يصفونها بأنها حساسة أو رقيقة المشاعر، لسبب بسيط جدا هي أنها لا تشتكي لأحد عن مشاكلها ولا تبدأ حديثها بجملة "أنا حساسة أو تصرفك أثر فيّ سلبيا وجرحني". فهؤلاء الآخرون يتعاطفون كثيرا مع هذا الذي يبكي ويشتكي ويردد بأن فلانا تعدى عليه وفلانا تجاوز حدوده في وصف درامي مبالغ فيه ويصفون هذا الشخص بأنه حساس ويحتاج معاملة خاصة واهتماما يتناسب مع شخصيته الحساسة. لا أعرف فقد يكون مفهومي عن رقة القلب والإحساس مفهوما خاطئا لأنني أعتقد أن الشخص رقيق القلب هو ذاك الذي يخرج من دائرة انشغاله بنفسه وهمومه الشخصية إلى الاهتمام بالآخرين الذين قد يمرون بظروف أسوأ من ظروفه إلى الاعتراف بحقهم في أن يعانوا أن يغضبوا أن ينعزلوا بدون أن يشكل ضغطا عليهم بمتطلباته ورغبته في أن "يراعوه ويراعوا ظروفه ويراعوا خاطره الذي خدش بينما خواطرهم تنزف إن صح التعبير!". إذا كنت "حساسا" فملك قطرة من الإحساس بالآخرين! فالشخص الحساس والرقيق القلب ليس بالشخص الذي يعتقد أن الدنيا تلف وتدور حوله ، وليس بالشخص الذي يصرخ بأعلى صوته:"راعوني راعوني" أليس كذلك؟ كفانا استنزافا للمفاهيم والمشاعر الجميلة!