فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان عضو مجلس الشورى ومستشار وزارة العدل تبنى الكثير من المواقف التي تعارض العرف السائد، فأوجد له الكثير من المعارضين والمؤيدين. له مواقف جريئة وقوية في التصدي للإرهاب ومحاربة الفكر المنحرف، فتاواه تثير الجدل، وقد أثارت بعض فتاواه حفيظة الكثير، ففتواه بجواز علاج المسحور باللجوء إلى السحرة والسحر وليس إلى الرقية جعلته في موقع هجوم كبير دفعته إلى تأليف كتاب حول هذه المسألة. يقول:من يعارضني جاهل بالفقه، وكثير منهم تربى على القول الواحد فهو ينظر لمخالفه على أنه مبتدع في الدين، له اجتهادات في كثير من الأمور الدينية وأهمها مسائل فقهية مهمة منها:أدلة مهمة في وجوب الحجاب، حكم التأمين التجاري، سفر المرأة بدون محرم، حكم العرضة والطبول، الجهاد في العراق، وله مسائل قضائية مهمة اخطأ فيها الكثير من غيره. طرحنا عليه الكثير من الأسئلة التي تهم المجتمع، بعضها له فيها رأي مختلف نفع الله به الإسلام والمسلمين، ومن خلال هذا اللقاء حاولنا أن نقتصر على الأسئلة محل الإثارة: طرح مختلف @ فضيلتكم صاحب طرح مختلف ماهو تبريركم لذلك؟ - أكثر الفتاوى التي أصدرتها مبنية على أقوال علماء أجلاء سبقوني في هذا، وأنا لدي الفهم الذي أعتبره الفهم الصحيح لنصوص الكتاب والسنة ولأقوال فقهاء الأمة، ولهذا أختار القول الصحيح من أقوال أهل العلم الذي يسنده الدليل، لكن الجهل الذي عم الكثير من الناس هو الذي حملهم على أن يستغربوا مثل هذه الأقوال لأنهم لم يطلعوا عليها، ولهذا بعض الناس عندما اطلعوا على المسائل الخلافية في موقعي على شبكة الإنترنت وذكرت فيه الأقوال والأدلة، اقتنع كثير منهم، لأنهم يسمعون الفتوى من بعيد ويعتقدون أنها آراء مجردة من النصوص ومخترعة. فتوى أثارت ضجة @ هل من إيضاح حول مسألة اللجوء إلى الساحر الذي سبق وأفتيتم حولها فقد أثارت فتواكم الكثير من الضجة؟ - قالوا عني في البداية هذا أحدث في الناس هذا القول وهذا يشجع السحرة وغير ذلك لأنهم سمعوها بشكل مغلوط وظنوا أني أبيح السحر وهذا لا يجوز ولا يقول به عاقل، وإنما أقول من اضطر فسحر ولم يجد العلاج فإنه كما قال العلماء عند الضرورة يذهب إلى من يحله، ولا نشجع السحرة وينبغي أن يعاقبوا وأن تجرى عليهم الأحكام الشرعية في بلادنا التي تحكم الشرع ولله الحمد، ولكنهم موجودون مختفون في بلادنا وفي بلاد الدنيا، وماذا يقال لمن اضطر ولمن سحر؟ يقال له (استمر على معاناتك الشديدة من هذه الأمراض واصبر واحتسب) كما يقول بعض الجهلة؟ الصبر والاحتساب دائماً ولكن لماذا فتحت المستشفيات؟ العلماء وعامة الناس يذهبون للمستشفيات ويسافرون إلى خارج المملكة للعلاج ما قالوا نكتفي بالصبر والاحتساب! ولذلك العلاج مباح والرسول عليه السلام يقول (تداووا عباد الله)وقد ألَّفت كتاباً ونشرته في موقعي أسميته (الصارم المشهور على من أنكر حل السحر بسحر عن المسحور) ذكرت فيه أقوال الأئمة والأدلة وآخر من أعلم أنه قال بهذا القول هو الشيخ محمد بن عثيمين - رحمه الله - بصوته وقد نقلت من صوته ومن كتاب له، ومن اطلع اقتنع. حكم التأمين @ كثر التساؤل عن حكم التأمين نأمل أن توضحوا للقراء ما اشتبه في هذا الأمر؟ - إن عقد التأمين الذي حدث في هذا الزمن أصبحت الحاجة إليه ملحة فبحث عدد من العلماء هذه المسألة بحثاً دقيقاً وأفتوا بجواز هذا العقد لأدلة أوضحوها في كتبهم فمن هؤلاء العلماء الشيخ عبدالله بن محمود رئيس محاكم قطر والشؤون الدينية سابقاً رحمه الله ومنهم فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله. وقد أفتيت بالجواز منذ زمن طويل وصرحت بذلك في درسي الذي كنت ألقيه في جامع فضيلة الشيخ سعد البريك في شرح العدة وكان الذي يقرأ فضيلة الشيخ سعد وكنت في مجلس مع سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وعرضت عليه رأيي في التأمين وأوضحت له أدلتي فأبتسم سماحته وقال هذا رأي مصطفى الزرقا فقلت له لم اقرأ كلام الشيخ مصطفى الزرقا ولكن المصلحة تقتضي تجويزه، فقال سماحته بعد قناعة:لابد من إعادة النظر في قرار هيئة كبار العلماء ا.ه والتأمين مسألة عصرية حادثة ونازلة جديدة لذا لا تجد لعلماء السلف كلاماً حولها ولكن نجد إشارات تشبه التأمين مما كان واقعاً عندهم فشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يجوز ضمان السوق وتجار الحرب وكذلك ضمان المجهول، قال في الإختيارات "ويصح ضمان المجهول، ومنه ضمان السوق، وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دين وما يقبضه من عين مضمونة." وقال أيضا "ويصح ضمان حارس ونحوه، وتجار حرب ما يذهب من البلد أو البحر. وغايته: ضمان مجهول وما لم يجب وهو جائز عند أكثر أهل العلم: مالك، وأبي حنيفة، وأحمد" ص 195- 196دار العاصمة ط1). والأصل في المعاملات الإباحة والله سبحانه وتعالى يقول {يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود} وقد استدل العلماء بهذه الآية على أن الأصل في العقود الصحة والأصل في المعاملات الإباحة ومن يرى عدم جواز التأمين هو المطالب بالدليل الذي يخرج التأمين عن أصل الإباحة، ومن تأمل أدلة المحرمين يجدها أدلة عامة لا تنطبق على عقد التأمين، كتحريم أكل أموال الناس بالباطل والمقامرة والنهي عن الغرر. @ بودنا أن توضحوا أكثر حول هذا الأمر؟ - من تأمل حال الناس وجدهم يمارسون التأمين من حيث لا يشعرون، فيأخذون رواتب التقاعد بدون تحرج وهو من التأمين وكذلك من مؤسسة التأمينات الاجتماعية بل والضمان الذي على السيارات والثلاجات وكافة الأجهزة فهي من التأمين ويندر أن لا يمارس هذا العقد أحد من الناس بل إن العلماء الذين يحرمون التأمين إما أن يكون بعضهم أحيل إلى التقاعد ويأخذ راتبه التقاعدي بدون تحرج وإما أن يكون بعضهم في وظيفة قيادية ويوقع على عقود الصيانة وهي من التأمين أيضاً، ففي التقاعد مثلاً يؤخذ من راتب الموظف جزء مدة عمله في الحكومة فإذا أحيل للتقاعد أعطي راتبه بصرف النظر عن المبلغ الذي دفعه وقد يموت ويعطى بعض الورثة أو لا يوجد له ورثة فيذهب كل ما أخذ منه وقصد بالتقاعد، تأمين حياة الموظف المعيشية بعد تقاعده فمنهم من يأخذ أكثر مما اقتطع من راتبه والبعض الآخر قد لا يأخذ إلا جزءاً يسيراً مما اقتطع من راتبه وضمان الأجهزة و الصيانة قصد بها التأمين على هذه الأجهزة فقد لا يتعطل أي جهاز منها ويذهب المال الذي دفع للضمان أو الصيانة بدون مقابل وقد تتعطل أكثر الأجهزة فتتحمل الشركة أكثر من مبلغ الضمان أو الصيانة وهذا هو حقيقة التأمين. التأمين جائز @ هل يعني ذلك أيضا أن التأمين جائز أيضا ضد الحوادث المرورية؟ - من سبر تعامل الناس اليوم وما ينتج عن الحوادث المرورية وجد أن التأمين ضروري جداً، فهناك من التجار من يشتري بضاعة ويفاجأ عند وصولها إلى البلد أنها ليست المطلوبة ويصعب عليه تدارك الأمر أو تتلف بغرق السفينة أو يحترق المستودع فيصبح بعد غناه فقيراً وهناك من يتسبب في وقوع حادث مروري فيتحمل من الديات وقيم المتلفات ما لا قدرة له على دفعه وهناك من يراجع مستشفى خاصاً فيتحمل قيمة العلاج أو العملية وهو لا يستطيع دفع أجرة العملية أو قيمة العلاج، فما هو الحل لمثل هذه المشاكل التي تسببت في سجن الكثير من الناس لإعسارهم بدون فائدة؟ أعتقد أن الحل الوحيد هو التأمين فأذكر أنها قد عرضت علىّ قضية شخص باكستاني تسبب في حادث وهو يقود شاحنة توفي على إثر ذلك ستة أشخاص فحكم عليه بدياتهم وقيمة المتلفات وهو مبلغ كبير جداً وبقي في السجن عدة سنوات بدون فائدة بل تضررت عائلته بسبب سجنه واحتارت الجهة الرسمية في أمره فبقاؤه في السجن لا فائدة منه بل فيه ضرر عليه وعلى الدولة وإخراجه من السجن وترحيله يرفضه أصحاب الحقوق فكيف تحل مثل هذه المشكلة؟ وأخيراً أثبت إعساره ورحل إلى بلده وضاعت حقوق المحكوم لهم عليه. لكل زمان ومكان @ ديننا ولله الحمد صالح لكل زمان ومكان، وقد سمعنا أن هناك من استفتى فضيلتكم حول جواز نظر المخطوبة عن طريق الماسنجر نأمل إطلاع القراء على هذه الفتوى؟ - سألني البعض عن حكم مشاهدة المخطوبة عن طريق الماسنجر، فأجبته بأن رؤية المخطوبة من السنة فقد أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمء الءمَرءأَةَ فَإِنء اسءتَطَاعَ أَنء يَنءظُرَ إِلَى مَا يَدءعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلءيَفءعَلء) (سنن أبي داود برقم 2083ومسند أحمد ج 334/3و 360وقال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم)ووافقه الذهبي.وروى سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ألقي في قلب امرىء خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها) (أخرجه سعيد ابن منصور في سننه برقم :519 وعبدالرزاق في المصنف برقم :10338 وابن ماجه برقم :1864 وزوائد ابن حبان برقم :1235) وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أنظرت إليها؟ " قال:لا.قال:"فاذهب فانظر إليها.فإن في أعين الأنصار شيئا ".أخرجه مسلم في "صحيحه " (ج142/4)و(النسائي ج 2ص73).وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".(الترمذي ج 1ص 202والنسائي ج 2ص 73وابن ماجه برقم 1866) وزاد أحمد (ج 144/4- 246/245) والبيهقي ج 84/7):"فأتيتها وعندها أبوها وهي في خدرها قال فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر إليها قال فسكتا قال فرفعت الجارية جانب الخدر فقالت أحرج عليك إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر لما نظرت وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرك أن تنظر فلا تنظر قال فنظرت إليها ثم تزوجتها فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها ولقد تزوجت سبعين أو بضعا وسبعين امرأة ".قال في زاد المستقنع وشرحه الروض المربع مع حاشية ابن قاسم :"ويباح لمن أراد خطبة امرأة وغلب على ظنه إجابته نظر ما يظهر غالباً كوجه ورقبه ويد وقدم مراراً أي يكرر النظر بلا خلوة إن أمن ثوران الشهوة ولا يحتاج إلى إذنها، وقيل يسن النظر إلى المخطوبة وصوبه في الإنصاف وظاهر الحديث استحبابه "انتهى بتصرف (ج6ص 232- 234) قلت: إذا كان النظر إليها مباشرة مسنون فمن باب أولى النظر إليها عن طريق هذه الوسيلة، بشرط أن يكون بعد الخطبة، وأن لا يراها سواه، وقد أخبرني بعض الأخوة بعد ذلك أنه يمكن حفظ صورة المرأة واستغلالها من بعض ضعاف النفوس عند عدم تمام العقد، وأنه يمكن أيضاً اختراق الجهاز، وبما أنني اشترطت في فتواي ما ذكرته من الشروط فإنه متى ما كان هذا الكلام صحيحاً، فإنه بموجب ذلك لا يصح النظر إلى المخطوبة بهذه الوسيلة حيث إن ما اشترطته لا يمكن تطبيقه حسب ما أفادوا به، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. فائدة:يستفاد من الأحاديث المتقدمة التي أمر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالنظر إلى المخطوبة، وجوب تغطية الوجه وجميع بدن المرأة عن الأجانب عنها لأنه لو كان الحجاب هو تغطية الرأس دون الوجه فلا فائدة من الأمر بالنظر إليها وربما الاختباء مادامت تخرج إلى الطرقات كاشفة الوجه وهذا ملحظ دقيق لم أجد أحداً تطرق إليه في تقرير مسألة كشف الوجه، والله أعلم. حكم البوفيه المفتوح@ سئلتم هل يجوز لشخص أن يدخل مطعماً ويدفع مبلغاً من المال وهو لا يدري عن كمية الطعام الذي يأكله فماذا كانت إجابتكم؟ - أجبت: بأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغرر كما رواه مسلم في صحيحه برقم 1513ولكن هل كل غرر منهي عنه؟ جاءت نصوص أخرى تدل على انه يغتفر الغرر اليسير فليس كل غرر محرم كما في بيع الدابة الحامل ولاشك أن الثمن يزيد لأجل الحمل وهو مجهول هل هو ذكر أو أنثى وهل هو واحد أو أكثر وهل تلده حياً أم ميتاً، والدار تباع وأساسها مجهول لا يعرف قوته أو ضعفه لاختفائه في الأرض. وكذلك يجوز بيع النخل ولم يبد صلاح ثمره إذا بيع مع الأرض مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها لأن النهي في حال بيع الثمار فقط دون الأرض، ولذا وضع العلماء لهذه المسائل قاعدة هي:يصح تبعا ما لا يصح استقلالاً، فيغتفر هذا الغرر لكونه تبعا. إذن ينبغي أن يفرق بين الغرر الكثير والغرر اليسير وإذا نظرنا إلى واقع البوفيه المفتوح نجد أن من يدخله يعرف نفسه وكم المقدار الذي يأكله عادة كما أنه يدفع المبلغ ليشبع فهو مقابل الشبع كما أن صاحب البوفيه قد أخذ حسابه عند تقدير المبلغ لمن يأكل كثيرا ولمن يأكل قليلاً فلا يقع الغرر والجهالة المنهية فلم نسمع أن أحداً دخل البوفيه ثم تظلم لأنه لم يأكل بقدر المبلغ الذي دفع ولم نسمع أن صاحب مطعم بوفيه خسر بسبب الغرر وقد نص الفقهاء رحمهم الله على جواز مثل ذلك بل نقل النووي الإجماع على الجواز فقال في شرحه لمسلم "أجمع المسلمون على جواز أشياء فيها غرر حقير منها:أنهم أجمعوا على صحة بيع الجُبة المحشوة، وإن لم ير حشوها، ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز، وأجمعوا على جواز إجارة الدار والدابة والثوب ونحو ذلك شهراً، مع أن الشهر قد يكون ثلاثين يوماً، وقد يكون تسعة وعشرين، وأجمعوا على جواز دخول الحمام بالأجرة مع اختلاف الناس في استعمالهم الماء، وفي قدر مُكثهم وأجمعوا على جواز الشرب من السقاء بالعوض، مع جهالة قدر المشروب واختلاف عادة الشّاربين وعكس هذا" ج 9ص 155ولما تكلم ابن القيم عن الغرر اليسير المغتفر قال: "وكذا دخول الحمام وكذا الشرب من فم السقا فإنه غير مقدر مع اختلاف الناس في قدره" ثم قال"فليس كل غرر سببا للتحريم والغرر إذا كان يسيرا أو لا يمكن الاحتراز منه لم يكن مانعا من صحة العقد فإن الغرر الحاصل في أساسات الجدران وداخل بطون الحيوان أو آخر الثمار التي بدا صلاح بعضها دون بعض لا يمكن الاحتراز منه والغرر الذي في دخول الحمام والشرب من السقا ونحوه غرر يسير فهذان النوعان لا يمنعان البيع" زاد المعاد ج 5ص 820- 821وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "هناك محلات تبيع الأطعمة تقول إدفع عشرة حتى الشبع؟ الجواب الظاهر أن هذا يتسامح فيه لأن الوجبة معروفة وهذا يتسامح فيه عادة والإنسان إذا عرف من نفسه أنه أكول فيجب أن يشترط على صاحب المطعم فالناس يختلفون" الشرح الممتع ج 4ص 322قلت وليس هذا بشرط لما ذكرته من التعليل. وقد أجاز الفقهاء الإجارة والأجرة للأجير والظئر - أي المرضعة - طعام بطنهما مع أن الناس يختلفون في قدر الأكل فمنهم الأكول ومنهم قليل الأكل قال في زاد المستقنع وشرحه الروض المربع مع حاشية ابن قاسم "وتصح الإجارة في الأجير والظئر بطعامهما وكسوتهما روي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى في الأجير وأما الظئر فلقوله تعالى: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف)" ج 5ص 299- 300قال في الإنصاف"وهذا المذهب مطلقاً وعليه جماهير الأصحاب" ج 14ص 277وقال في المغني "وهو مذهب مالك وإسحاق لما روى ابن ماجة عن عتبة بن الندَّر قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ (طسم) حتى بلغ قصة موسى قال: "إن موسى آجر نفسه ثماني سنين أو عشرا على عفة فرجه وطعام بطنه" وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال :كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي احطب لهم إذا نزلوا و أحدوا بهم إذا ركبوا أخرجه ابن ماجة ولأن من ذكرنا من الصحابة وغيرهم فعلوه فلم يظهر له نكير فكان إجماعا ولأنه قد ثبت في الظئر بالآية فيثبت في غيرها بالقياس عليها"ا.ه بتصرف ج 8ص 68- 69وبما أن الإجارة لا تصح إلا مع تحديد الأجرة ومع هذا جوزوا أن تكون بطعام بطن الأجير فهو نظير من يدخل البوفيه فيدفع المبلغ مقابل طعام بطنه سواء بسواء فالأمر واضح وجلي ومن خالف هذا الحكم فهو مخالف للإجماع الذي نقله الإمام النووي ولا نعلم أحداً من أهل العلم في السابق قال بخلاف ذلك والله أعلم. سفر المرأة بلا محرم @ لفضيلتكم مبحث حول جواز السفر للمرأة بلا محرم "إذا أمنت"؟ - ملخص ما كتبته هو أن المرأة اذا أمنت على نفسها جاز لها السفر من دون محرم، وحول ما إذا كانت الوسيلة المأمونة هي فقط الطائرة، ردّ الفقيه بأنه إنما ضرب المثل بها، وإلا فإن "علّة تحريم سفر المرأة من غير محرم، هي الخوف على المرأة من الاعتداء على شرفها، خصوصاً في السفر قديماً بوسائله التي يحصل فيها الخوف، أما الوسائل الحديثة مثل الطائرة فالمدة في الغالب يسيرة، ولا يستطيع أحد الاعتداء على المرأة لوجود الطاقم والناس حولها، وأما التحرش بالكلام ونحوه، فهو يحصل في السوق وعبر الهاتف وفي كل مكان، وليس هذا هو المقصود، فإن علّة التحريم فيها تكون منتفية". تقنين الشريعة @ هل تقنين الشريعة برأيكم يقضي على التناقض والفوضى في أحكام القضاة أم أنها ستغلق باب الاجتهاد؟ - لي مقال موسع منشور تكلمت فيه وأسهبت حول تدوين الأحكام الفقهية الفرعية المتعلقة بالقضاء وهو الذي يسمى بالتقنين، وأنا مؤيد لهذا وقدمت به اقتراحاً واعتمد بالأمر الملكي الكريم الصادر عام 1426ه ولا يعترض أحد في هذه المسألة إلا على الإلزام، هناك من يعترض على إلزام القضاء بهذا التقنين، والمسألة فيها خلاف وهناك من أعضاء هيئة كبار العلماء توفي أكثرهم رحمهم الله يرون جواز الإلزام ولكن نحن نقول إنه لا حاجة للإلزام فالقضاة سيلتزمون بدون إلزام لأنهم في حاجة ماسة إليها يريدون فقط من يدلهم على الطريق. محكمة للعنف الأسري @ هل تؤيدون إنشاء محكمة تعنى بمشاكل العنف الأسري؟ - نقلت لنا الانباء خبرا طيبا مفاده أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وجّه وزارة العدل بإنشاء محاكم تعنى بمشاكل العنف الأسري، وتنظر في الاحكام المتعلقة بقضايا العنف التي تتعرض لها المرأة او الطفل، او ما اصطلح على تسميته ب "قضايا العنف الاسري"، وأقول: من المعلوم ان التنظيم القضائي الجديد في السعودية، الذي صدرت الموافقة الملكية الكريمة عليه، يتضمن إنشاء محاكم متخصصة، ومن تلك المحاكم، او الاختصاصات، دائرة الاحوال الشخصية في كل محكمة عامة، وهي دائرة تختص بالنظر في قضايا الشقاق الحاصل بين الزوجين، كما في قضايا النفقات والحضانة، والأنكحة والإرث، وما يتعلق بكل تلك الامور. لذلك، فلا شك أن في مثل هذه المحكمة المتخصصة، التي وجه بها خادم الحرمين، وفقه الله، فائدة جلية، فنحن في عصر التخصص، وكلما كانت المحكمة اكثر تخصصا، كان العمل اكثر اتقانا، ذلك ان الذي سيختار للعمل في مثل هذه المحكمة من القضاة لا بد ان يكون متصفا بصفات تؤهله للحكم بالحكم الصحيح الموافق لمصالح الناس، وذلك باختيار الشخصية التي تتميز بصفات معينة، ولها إلمام بمثل هذه القضايا، وقدرة على حل المشكلات، بسبب تلك المعرفة، أمر آخر، وهو أنه لا بد ان يؤهل القاضي تأهيلا قويا قبل أن يبدأ عمله القضائي في هذه المحاكم المتخصصة، فإذا حصل التأهيل القوي مع اختيار الشخصية المناسبة للعمل المناسب مع استطاعته استيعاب الاحكام الشرعية والانظمة والتعليمات المتعلقة بعمله فسوف يسهل له ذلك اتقان عمله، بسبب تأهيله وإلمامه بتلك الاحكام والانظمة والتعليمات المتعلقة بنفس العمل مع الإشارة إلى أهمية وجود مستشارين نفسانيين واجتماعيين، او غيرهم ممن تدعو الحاجة الى استشارتهم في القضية المنظورة، حتى يكون هؤلاء المستشارون عوناً للقاضي الشرعي من أجل ان يصدر الحكم الصحيح المناسب. مايتعين على الخطيب @ خطباء الجمعة هل لها ضوابط معينة يتعين على الخطيب التقيد بها؟ - خطبة الجمعة وصلاتها من الشعائر العظيمة في الإسلام، وقد جاء في شريعتنا المطهرة لها نصوص وأحكام تبين آدابها وضوابطها، وذلك لعظم شأنها، وهنا نتحدث عن "ثلاثة ضوابط" تتعلق بخطبة الجمعة: أولها: ما جاء في السنة المشرفة عند مسلم في صحيحه والإمام احمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه أي علامة على أنه ذو علم ومعرفة بالسنة فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة" وهذا التوجيه الكريم من النبي العظيم عليه السلام يرشدنا إلى ما هو الأصلح للعباد في أداء عبادتهم على الوجه الذي يرضى عنه ربنا عز وجل، وهو ان تكون خطبة الجمعة موجزة قصيرة يتحدث فيها الخطيب الى الناس بما يفقهون وبما يستطيعون استيعابه من الكلمات الجامعة والعبارات الواضحة التي تجعلهم يستفيدون من توجيهات الخطيب ليقوموا بالعمل بها بعد صلاتهم حيث ان المصلين الحاضرين لخطبة الجمعة في الغالب من طبقات متعددة تختلف افهامهم ومداركهم ومستوى استيعابهم وتختلف أيضا ثقافاتهم واهتماماتهم، ففرق واضح بين ان تخاطب فئة السياسيين او الاقتصاديين او الفقهاء العلماء.. وهكذا، يجب على الخطيب أن يراعي ذلك وان يخاطب كل فئة بما تدركه عقولهم ويحسنون فهمه، وهذا يوجب على الخطيب ان يختار الكلام المناسب لهذه الفئات المتخصصة، أما إذا كان في محفل عام مختلط، كخطبة الجمعة العامة، التي تضم الجاهل والعالم والصغير والكبير والعامل والعاطل والمتعلم والأمي والسياسي والاقتصادي.. فهنا يجب على الخطيب ان يراعي ذلك وان يعرف الفرق في الخطاب بين من يقدر على الاستيعاب الكامل وبين صغير غض حديث السن لا يفقه المعاني والمصطلحات والعبارات على وجهها الصحيح، اذن لا بد لمن يصعد على منبر الجمعة ان يراعي هذه الفروق واختلاف الطبقات في الاستيعاب، حتى لا يفقه عنه غير ما أراد، وحتى لا يثمر قوله عملا من السامع لا يقصده الخطيب ولا يريده ولا يرضاه ربما، وهذا من الأسباب التي دعت بعض ضعاف العقول وحدثاء الأسنان إلى الخروج عن المنهج القويم والجنوح عن الجادة المستقيمة، بسبب ما فهموه من عبارات تدعو إلى التشنج والعنف، فالخطيب مثل الطبيب لا بد ان يراعي حالة المريض ليصف له العلاج المناسب لحالته. ثانيا: قد يلجأ الخطيب إلى التعرض للأحداث السياسية فيبدأ باستعراض تلك الأحداث وكأن الخطبة نشرة أخبار سياسية! ولكن بأسلوب يثير العواطف ويحرك مكامن النفوس، فيجيش بهذا الأسلوب أنفسا قليلة الإدراك كثيرة العاطفة، فتتحول الى قنابل موقوتة، ربما تنفجر في مكان لا يراد ان تنفجر فيه، وعلى من لا يراد أن تنفجر فيهم، كما هي حالة من ينتمون للفئة الضالة المنحرفة، ومنهم أنصار جماعة "القاعدة" على سبيل المثال. ثالثا: ما يفعله بعض الخطباء من الخروج عن المنهج النبوي في خطبة الجمعة، وهو القائم على قصر الخطبة ونفعها للعموم، فينتج عن هذا الخروج عدم استيعاب من قبل كثير من السامعين كما جاء عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه حذر من كثرة الكلام وقال: إن كثرة الكلام ينسي آخره أوله. وينتج أيضا عن هذا التطويل إيجاد السآمة والملل من العبادة لدى الحضور، فلا يحصل بذلك ثمرة الخطبة، ويتضرر كثير من المبكرين في الحضور إلى الجمعة خصوصا من كبار السن والمريض، كما أن ذلك يؤدي إلى مخالفة منهج النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالتبشير والتيسير وقال كما ثبت عنه في الصحيحين عن انس بن مالك رضي الله عنه: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا". فبدل أن ينتهج الخطيب منهج التبشير بالعاقبة الحسنة والتوجيه بالصبر الذي في الغالب يعقبه الفرج، نجده يلجأ إلى أسلوب ينشأ عنه التشاؤم لدى السامعين والقنوط والسخط فيخرجون بلا فائدة، بل وربما يلجأون للتفريج عن سخطهم بأي عمل يرضي تهيج عواطفهم التي أشعلها الخطيب المنفر، والذي لم يلتزم منهج التبشير والتيسير. رواتب الموظفين @ مارأيكم في من تساهل في المحافظة على الدوام، ثم تاب فهل يجب عليه رد الجزء من راتبه الذي يقابل الوقت الذي لم يحافظ عليه؟ - قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :"وأما ما يؤخذ من بيت المال فليس عوضاً وأجرة بل رزق للإعانة على الطاعة فمن عمل منهم لله أثيب، وما أخذه رزق للإعانة على الطاعة وكذلك المال الموقوف على أعمال البر والموصى به والنذور، كذلك ليس كالأجرة "ا.ه (الفتاوى الكبرى ج 4ص 413- 414ط دار القلم).وعليه فمن كان موظفاً حكومياً تساهل في المحافظة على الدوام، ثم تاب فهل يجب عليه رد الجزء من راتبه الذي يقابل الوقت الذي لم يحافظ عليه؟ والذي يقتضيه كلام شيخ الإسلام أنه لا يجب عليه ذلك لأن الراتب رزق وليس بأجرة ولا عوض ولكن عليه إثم عظيم يجب أن يتوب إلى الله منه وأن يضاعف الجهد والعمل ليعوض ما فوته من وقت الدوام، وقد عرضت فهمي ورأيي هذا على سماحة شيخنا العلامة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقاً رحمه الله فوافقني على هذا الرأي والفهم، وكان في مجلس حضره بعض المشايخ ومنهم الشيخ العلامة حمود التويجري رحمه الله فلم يعترض أحد منهم وسأذكر بعض ما وافقني عليه رحمه الله في كل مسألة عند عرضها في هذا الموقع إن شاء الله تعالى. العمل في البنوك @ كثر في الآونة الأخيرة من يحرم العمل في البنوك فهل يجوز العمل في البنوك؟ - ذهب بعض العلماء المتأخرين إلى انه لا يجوز العمل في البنوك الربوية مهما كان عمل الموظف، ولو لم يباشر العمل الربوي والعقود الربوية ومن هؤلاء سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز وفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله استدلال بقوله تعالى:(وتعاونوا على البر والتقوى لا تعاونوا على الإثم والعدوان) وذهب سماحة شيخنا الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقاً رحمه الله إلى جواز العمل في البنوك إذا كان الموظف لا يباشر عملاً أو عقداً ربوياً فقد سئل سماحته السؤال التالي:"أُتيحت لي فرصة عَمل في بنك أعمل على الآلة الكاتبة وهذا البنك يتعامل في الربا ويتقاضاه.فما حُكم عملي به؟وما حُكم ما أتقاضاه مع العلم بأني لا أكتب شيئاً يمس هذا الربا؟ أفيدونا وجزاكم الله خير.فأجاب رحمه الله:نعم.لا بأس بذلك مادام أن راتبك لم يكن من الربا عيناً.بل هو مختلط، يحتمل أن يكون من الربا ويحتمل ألا يكون من الربا.فمادام أن الأمر مشتبه، فيجوز لك أخذه، وخاصة أنك لا تساعد على كتابة الربا ولا تكتب النقود المشتبه بها للربا.فقد جاء في الحديث:أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله آكل الربا ومُوكِلَه وكاتبه وشاهديه) وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم:(الربا ثلاثه وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أُمه) فالربا أمره عظيم وشأنه كبير، وقد قال ابن دقيق العيد: إن آكلة الربا تكون خاتمتهم سيئة والعياذ بالله كما هو مشاهد، الحاصل أنه إذا اشتبه الأمر عليك ودفع لك راتبك ولا تدري هل هو عين الربا أو من غيره فلا بأس بأخذه كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وإذا كنت لا تكتب الربا ولا تساعد في كتابته، وإنما تكتب أشياء أخرى كما هو ظاهر سؤالك فلا حرج إن شاء الله عليك والله أعلم" ا.ه (مجموع فتاواه ص 187- 188)، وهذا القول هو الصواب والدليل على ذلك ما روى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله)رواه مسلم وفي رواية الترمذي برقم:(1206) وأبي داوود برقم:(3333): (لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ) قال الترمذي حسن صحيح وأخرجه ابن ماجه برقم:(2277). ولا يدخل هذا الموظف في المحذور وما شمله اللعن في الحديث؛ لأنه لم يأكل الربا ولم يوكله ولم يكتبه ولم يشهد عليه. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود مع أكلهم السحت والربا كما في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً ورهنه درعاً من حديد رواه البخاري برقم :(2068) وفي مواضع أخرى، ومسلم برقم :(1603/152). وأما الآية الكريمة فهي تنص على أن النهي إنما هو عن التعاون على الإثم والعدوان - أي في نفس العمل المحرم - مثل الذي يقدم الخمر لشاربيه أو يعين على صنعه قال القرطبي (ج 7ط الرسالة ص 269) في قوله تعالى: (ولا تعاونوا على الإثم) "قال وهو الحكم اللاحق عن الجرائم ".ا.هأما من يتعامل مع شارب الخمر في بيع الثياب و المباحات فلم يحرمه أحد من المسلمين مثل الموظف الذي يعمل في إدارة لا علاقة لها بالمحرمات والله أعلم.