كان مستوصف الدرعية يقع في الجزء الشمالي من مبنى مركز التنمية الاجتماعية، وهو مركز ضخم يحتوي على أرض واسعة شاسعة بها ملاعب كرة ومنشآت أخرى. وذات يوم أقبلت امرأة تسعى، وهي وجلة مذعورة تسير في لهفة وتسأل عن الطبيب.. ولما جاء دورها دخلت على الطبيب متوترة قلقة، ولما سألها عن شكواها قالت إنها لاتعاني من شيء، ولكنها أردفت: زوجي يا «دختور» فقال: ما به زوجك؟ فقالت في حسرة وألم: زوجي سوف يتزوج بعد ليلتين. وإن تزوج فسوف تنفطر كبدي، وينفجر قلبي، وسوف أموت، وأريد أن تبحث عن علاج يمنع زوجي من الزواج!! فقال الطبيب بانفعال: طز وأنا مالي.. ثم أردف: يالله أخرجي.. وخرجت المسكينة تشق طريقها بين المراجعين وهي تردد «طز وأنا مالي» وانحدرت في طريقها، وقد اختلطت هذه العبارة مع صوت «شبشبها» الذي يصدر فرقعات خفيفة من وقعه في قدميها المغبرتين.. سارت تردد هذه العبارة في طريقها الطويل دون توقف..؟! بعد يومين، وبعد صلاة العصر شاهد الناس امرأة تقود كبشاً أبيض كأنه حصان متجهة به نحو المستوصف، ولما اقتربت صارت تسأل عن الطبيب وتقول في جذل وفرح «وين الدختور» واستغرب الناس فقد ظن كثير منهم أنها جاءت لمعالجة الكبش، وصاروا يتغامزون، ويضحكون من فراغ عقلها.. وتحلق المرضى، والمراجعون والممرضات حول الكبش وصاحبته، حتى لاعبو النادي توقفوا عن اللعب، وتراكضوا نحوها!! وارتفع صوتها بالمناداة على الطبيب، وهي تقود الكبش، وترتقي به إلى ممرات العيادة.. خرج الطبيب بقامته المديدة، وأقبلت إليه وهي تدفع كبشها وتقول: خذ يا «دختور هذي عطية ما لها جزية» لقد فرجت كربي فرج الله كربك.!! وأبشرك بأن علاجك نفع، وعاد إلي زوجي وصرف نظره عن الزواج، وهذا كله من بركات الله ثم بركات دعائك الذي لقنتني إياه.!! ارتبك الطبيب، وأحس وكأنه أحد الحكماء الآثمين، ورثى لحالها وشعر بندم يحرق ضميره وقال: ما قلته ليس علاجاً. إنه ليس علاجاً، فلم تمهله بل أخذت تقسم أنه علاج، وأنها أخذت تردد تلك العبارة «طز وأنا مالي» منذ أن لقنها إياها حتى جاء الفرج، وبطل الزواج.!! ودفعت بالكبش نحوه، ومدت له الحبل، الذي في رقبته. فتراجع الطبيب كالخائف وقال: أنا لا آخذ شيئاً، الدولة تدفع راتبي... أبعدي عني كبشك، فاقسمت أنها لن تعود به فازداد الطبيب ارتباكاً من هذه الورطة التي لا يعرف كيف له أن يخرج منها.. غير أن أحد اللاعبين كان واقفاً وقد مد رقبته من فوق الدائرة البشرية فلما سمع حوارها مع الطبيب دفع الجميع بجسده وقال: أعطيني الكبش وسوف أتولى الأمر، سوف أذبحه الليلة، وأعزم الطبيب عليه، وسوف يأكل منه فقالت: أصادق أنت؟ وأخذت تجيل نظرها في الواقفين كأنها تستنطق أعينهم عن مدى صدقه!! فقال بقية اللاعبين: نعم أنه صادق.. فمدت له الحبل وخرجت عائدة أدراجها وهي تردد عبارات، وتمتمات تدل على الرضا، والغبطة، والسعادة والدعاء للطبيب أو «الوجه المبارك» كما تقول... ذبح اللاعبون كبشها، وسهروا، وسمروا، وتلذذوا بلحمه الطري الشهي، وأخذوا يمرحون ويضحكون وهم يرددن: «طز وأنا مالي»... أتذكر حال تلك المرأة وأنا أشاهد حال العرب وأشاهد قضاياهم وحقوقهم وكرامتهم تؤكل كما أُكل ذلك الكبش الأبيض ولسان حال كل واحد منهم يقول: «طز وأنا مالي».!!