شيء مُذهل ذلك التغيّر السريع في أنماط سلوكنا وتعاطينا مع الحياة إجمالاً ، المُشكلة أننا نُفاخر بكثرة مواليدنا ونُردد في كل مناسبة أننا وطن فتيّ جُل مواطنيه من الشابات والشبان ولكن ..! كيف هو الميراث الذي نُسلسلهُ في طباعهم المُستنسخ من طباعنا ؟؟ ما هو شكلهُ ، قيمتهُ، أثرهُ في الحياة، ؟؟ ثم أخيراً ما هي الصورة التي تنطبعُ في أذهان الآخر عنّا وعن وطننا الفتيّ ..؟ وكما تعرفون بأن الأوطان يبنيها أهلها وتنقل ثقافتها الصورة الواقعية عنها، وثقافة الشعوب ليست في الكم المعرفي المخزون في عقول ناسها ولا آلاف الشعراء أو المآذن فيها، بل في حراكهم المعيشيّ ككائنات بشرية لهم بصمتهم الخاصة في أذواقهم ومهنهم، في فنونهم وأفراحهم، في مأكلهم وأزيائهم ، في علاقاتهم مع بعضهم البعض ومع الآخرين. خذوا هذه المشاهد المُختارة عشوائياً ولنقرأ دلالاتها بكل تجرّد: تتهادى الأم في مشيتها بجسم ثقيل بطيء الحركة ويمشي وراءها أطفالها والشغالة الآسيوية تُلاحقهم وقد حملتْ بين يديها أصغرهم الذي لوّث ملابسه وعباءة تلك المرأة النحيلة المسؤولة عن عدّة مهام في آنٍ واحد، نعود للأم التي لا تُكلّف نفسها عناء حتى الالتفات لما يحدث في الخلف. يتكئ الطفل البدين على الأرائك وبين يديه جهاز التحكم بالبلاي ستيشن ، أصابعه فقط هي التي تتحرك أما لسانه فلا يُصدر إلا الشتائم متبوعة بالأوامر للشغالة المهرولة فيما بين غرفة (سيّدها) الصغير والمطبخ وصالة المنزل حيث ربّة البيت مع جاراتها في جولات متواصلة من النميمة . الشغالة المسكينة انقطع نَفَسُها بينما أوامر أهل البيت لا تنقطع على مدار الساعة. مواطن غطّى الثوب الواسع حجم كرشه اشترى من البقالة علبة (كولا) مُثلجة وبطيخة، حمل هو العلبة وترك مُهمّة حمل البطيخة للعامل الذي يوصل الطلبات ...في خطواته المتثاقلة نحو السيارة (جرع) الكولا وألقى بالعلبة على الرصيف، العاملُ يُطبطب على البطيخةِ بينما الرجل يتجشأ بارتياح واضح . السؤال كم مِنّا بهذه الصورة ؟؟ أترك لكم الجواب بينما أتأمل مثلا تركيا يقول : قيل للنعامة احملي وانقلي، قالت أنا طائر، فقيل لها طِيري وامرحي ، قالت أنا بعير.