موقف الساسة البريطانيين المحافظين العدائي من الاتحاد الأوروبي أثار حفيظة وغضب الساسة الأوروبيين وبالذات المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. رغم أن بريطانيا جزء من أوروبا وتسعى للإبقاء على دور ريادي لها، إلا أنها شذّت عن مجموع الاتفاقات التي جرت في اتحاد الدول الأوروبية في أكثر من مناسبة، وما زالت مصرّة على أهمية الاحتفاظ بالجنيه الاسترليني ورفض تبنّي عملة أوروبية موحدّة، إضافة إلى قرارات جماعية أخرى عديدة خرجت فيها بريطانيا عن الرأي العام الأوروبي. آخر تطورات الشدّ والجذب هو غضب أنجيلا ميركل المستشارة السياسية الألمانية من موقف العداء الذي يتخذه زعيم حزب المحافظين البريطاني ديفيد كاميرون من دول الاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى قرار ميركل تخفيض علاقاتها مع حزبه، خصوصاً بعد أن هدد كاميرون بوقف إجراءات الاستفتاء على معاهدة لشبونة التي تبنّتها برلين. كما أغضبها قراره بخلع أعضاء البرلمان البريطاني المحافظين من المجموعة الفدرالية لحزب الشعب الأوروبي في بروكسل. انتقاماً من موقفه قامت ميركل والتي تتزعم الحزب الديمقراطي المسيحي اليميني – المعتدل التوجهات، بتخفيض مستوى العلاقات مع حزبه من المحافظين. فقامت بإلغاء ثلاث من المجموعات السياسية المشتركة بينهم حول البيئة، والأمن، والمنافسة الاقتصادية، إضافة إلى إلغائها الاجتماع السنوي بينهم وبين حزبه. ويعود غضبها كذلك من كون كاميرون كان قد تعهد عام 2005 بمواءمة حزبه من البرلمانيين الأوروبيين مع مجموعة جديدة من الجناح اليميني الذي ظهر في البرلمان الأوروبي. وهي غير راضية كذلك عن رفضه المشاركة في المشاريع التي طرحتها الدول الأوروبية وخصوصاً ثورات غضبه وردود فعله المتعلقة بمعاهدة لشبونة. لذلك حذر النقاد السياسيون من أن انقطاع هذه العلاقات بسبب موقف حزب المحافظين البريطاني سوف يخاطر بنفوذ بريطانيا في أوروبا. علّق على هذا الأمر اللورد بريتان وهو من المحافظين، وكان قد شغل منصب المفوض الأوروبي الأسبق قائلاً ان الجماعات السياسية والتكتلات في الاجتماعات هي أمور حيوية وضرورية لبناء العلاقات، وقال: "هذه العلاقات ضرورية لأنه.. كيف سيكون لنا نفوذ في الاتحاد الأوروبي؟ سيكون النفوذ بالسعي لإيجاد حلفاء وبناء علاقات والتحدث إلى الآخرين، وهذا الأمر لا يحصل بين ليلة وضحاها. لا يمكنك الحضور فجأة إلى اجتماع والقول .. هذا ما أريده أن يتحقق الآن". وأضاف: "ما يمكنك الحصول عليه يتوقف على نوع العلاقات التي قمت ببنائها على مدى فترة طويلة من الزمن. لذلك إذا تم تخفيض عدد العلاقات والاتصالات بينك وبين الآخرين نتيجة مشاعر بسوء النيّة، عليك تجاوزها جميعاً وتذليل تلك العقبات". بينما علق وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند على الموضوع بالقول: " إن الرسالة التي أرسلها الحزب الديمقراطي المسيحي بخفض مستوى العلاقات مع المحافظين هي واضحة، وتقول بكل صراحة... صوّتوا لحزب المحافظين وافقدوا جميع أصدقاء بريطانيا في العالم". كما أضاف: " إن قرار ديفيد كاميرون بتهميش المحافظين وجذبهم خارج التيار الرئيسي لأوروبا هو خطر مباشر يهدد مصالح بريطانيا الحيوية، هذا لو تمكن المحافظون من الوصول إلى السلطة". في ذات الوقت فإن النجاح المتوقع للتصويت الذي سيجري اليوم في ايرلندا لتقرير رأي الشعب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي سيسبب المزيد من الصداع لديفيد كاميرون. وإن صوتت إيرلندا لصالح تأييد معاهدة لشبونة التي تهدف إلى تبسيط أساليب العمل في الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 دولة، فإن المتوقع بأن تقوم كل من بولندا والجمهورية التشيكية بإنهاء معارضتيهما لهذه المعاهدة والمصادقة عليها. وهذا الوضع سيلقي بظلال من الشكوك حول زعيم المحافظين وتعهداته السابقة بأن يمنح الشعب البريطاني ما وعدهم به في حال أصبح رئيساً للوزراء مخاطراً بتمرد نواب حزبه عليه. رغم كل ذلك قال بعض المراقبين للوضع السياسي الأوروبي أنه بمجرد توقيع معاهدة لشبونة، قد تقوم بريطانيا بالتخلي عن الاتفاق على أي حال، هذا إن ارادت الحكومة البريطانية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي بشكل كامل. بينما كينيث كلارك وهو من أشد اعضاء البرلمان ومجلس حكومة الظل دعماً لفكرة الاتحاد الأوروبي حذر ليلة أمس المحافظين من مغبة أن تطغى ظلال خلافاتهم حول اتفاقية لشبونة على مؤتمر الحزب الذي سيبدأ يوم الاثنين. وقال: " سيكون الأمر بمثابة كارثة إن استغرق أعضاء الحزب الأسبوع المقبل ووقت المؤتمر في الحديث عن المعاهدة واحتمالات فشلها في وقت علينا فيه الإعلان عن سياساتنا المتعلقة بالبطالة والتصنيع وعجز الميزانية".