الشعوب الحضارية التي تتمتع بالوعي، والثقافة هي الشعوب التي تهمس في لغتها الحوارية همساً، بل وفي كل تفاصيل حياتها من نقاشات، وتبادل آراء، واختلافات في وجهات النظر إذ تغيب لغة التشنج، والصراخ، والاستعداء، والوعيد بالويل والثبور، وعظائم الأمور لصالح لغة الفهم، والوعي، والحوار المعقلن، وتوظيف العقل للوصول إلى القواسم المشتركة، أو نقاط الالتقاء في مسائل الاختلاف ، وتكون الرغبة راسخة ومؤكدة على أن يكون الأمر مجرد اختلاف وليس خلافاً وهذا من مؤشرات الشعوب والمجتمعات العاقلة والمتزنة التي تستخدم لغة الهمس بديلاً عن لغة الاستفزاز، والعداء، والخصومات. هكذا أحسب أن تكون القراءة لمدى مخزون الشعوب، والمجتمعات، والإنسان من فكر، وثقافة، وتسامح، ورغبة في الفهم والتقارب وصقل الآراء، والاستنتاجات، والمفاهيم. ومدى حرص هذه الشعوب على أن تتميز في سلوكها، وتعاطيها مع الآخرين عبر منطلقات احترام الرأي، والتفكير، والرغبة في الدخول إلى المضامين الحقيقية في الحوارات، وعدم إصدار الأحكام المسبقة والجازمة في كل اختلاف لمصلحة فريق يريد أن يهمّش، أو يُقصي، أو يسفه، أو يصادر آراء وأفكار الآخرين، فهذا السلوك خطيئة كبيرة في حق عقل الإنسان. نحن مسلمون، والإسلام في جوهره فكرٌ، وسلوك. «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك». «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة». «عبس وتولى، أن جاءه الأعمى». «وجادلهم بالتي هي أحسن». ومن هدي النبوة. «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». «الدين المعاملة». والشواهد كثيرة على أن ديننا الحنيف ينبذ التشنج، ويحارب الاستعداء، ويشجب الصراخ، والوعيد، والتهديد. هذا شيء. أما الآخر.. فنطرح سؤالاً. - ماذا تعني الدعوة إلى «أسلمة الإعلام» وهل الإعلام خارج الملة..؟؟ إنه سؤال أسجل الحزن من أجله.