قد لا يبقى في ذهن المشاهد من الفيلم الجديد Knowing سوى مشهد سقوط الطائرة في الأراضي الأمريكية واحتراق ركابها تحت نظر بطل الفيلم المذهول من ضخامة الكارثة, وهو مشهد مُهيب فعلاً, يُبرز عظمة هوليود وقدرتها على محاكاة الواقع ونقله بشكلٍ مدهشٍ, يقف فيه بطل الفيلم وسط الطريق ويرى طائرة تأتي من بعيد لتهوي على الأرض ويتناثر ركابها ويحترق بعضهم نتيجة انفجار خزانات الوقود, في كارثة تبدو حقيقية, تم تصويرها في لقطات قليلة, وطويلة, رغبة في الوصول إلى أقصى حد من الواقعية. ويأتي المشهد ضمن سياق عام تحيط به الكوارث من كل جانب, إذ يقدم الفيلم قصة نهاية العالم والكارثة الكبيرة المنتظرة التي ستنهي الحياة في الأرض في العام 2009, وليس مشهد سقوط الطائرة سوى نقطة في بحر الدمار الذي سجلته نهاية الفيلم. أما البداية فستكون مع عالم الفيزياء جون كوستلر في قاعة المحاضرات وهو يقدم لتلاميذه شرحاً عن فكرتي "السببية" و"العشوائية" وعلاقتهما بما يجري في الكون من أحداث. حيث تعني الأولى أن الحياة تسير وفق خطة مسبقة وأن كل حدثٍ هو نتيجة لسبب سابق, أما الثانية فتقول ان الكون يجري بشكل عشوائي تحكمه الصدفة والعبث. ومن حديث العالِم في المحاضرة يبدو أنه حائر بين الفكرتين ويقف في نقطة تُعرف ب"اللا أدرية". يؤدي النجم نيكولاس كيج دور البطولة في الفيلم بشخصية العالِم كوستلر الذي عثر ابنه الصغير على ورقة قديمة كتبتها طفلة قبل خمسين سنة, تحوي أرقاماً تبدو في ظاهرها عشوائية, لكن عالِم الفيزياء المتبحّر في العلوم الطبيعية يجد بين هذه الأرقام رابطاً مثيراً يجعلها خريطة تنبؤية مهمة تقدم تقريراً مفصلاً عن الكوارث التي ستمر بالكرة الأرضية بما فيها كارثة نهاية العالم. ويجد بين هذه الأرقام تاريخ الحريق الذي ماتت فيه زوجته عام 2008 والذي تركه وحيداً مع ابنه الصغير وأثر في حياته إلى درجة تزعزع فيها إيمانه بوجود القدر. وتقول هذه الخريطة العددية التي يمتلكها العالِم الأمريكي ان بلاده ستشهد ثلاث كوارث متبقية من بينها كارثة نهاية العالم التي ستحدث في أكتوبر 2009 نتيجة ارتفاع درجة الحرارة التي ترسلها الشمس تجاه الأرض. ويتحقق العالِم كوستلر من صحة الخريطة بعد معايشته لكارثتين منها ويتبقى الكارثة الأخيرة التي بات يعرف موعدها جيداً.. لكن يبقى سؤال مهم: لماذا هو بالذات من عثر على هذه الورقة؟. هل هي مجرد صدفة؟. إن التطور الروحي الذي طال بطل الفيلم بعد تحققه من صحة التواريخ التي تحملها الورقة, ينفي مسألة العشوائية ويؤكد أن أحداث الكون تجري وفق مخطط سابق, وعليه فإن عثور ابنه على الورقة ليس صدفة بل له مغزى كبير يتأكد في سياق الفيلم حين يكتشف البطل أن هناك من أرسل الورقة لتكون جسراً سيمشي عليه ابنه الصغير لينتقل إلى عالم آخر تبتدئُ فيه الحياة من جديد. الأفكار التي يطرحها الفيلم مستفزة للمشاهد المهتم بنهاية العالم وعلاقة العلم بالإيمان, وهو يتناولها بسيناريو مترابط يتفاعل فيه عنصرا الصورة والحوار بشكل لافت, فالحديث الذي يردده العالِم في محاضرته الأولى في بداية الفيلم عن موقع الشمس في الكون ونسبة الأشعة التي ترسلها إلى الأرض والتي تجعل من الحياة ممكنة فيها, يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمشاهد النهاية التي تزداد فيها حرارة الأرض؛ في إلماحة ذكية لمشكلة الاحتباس الحراري. هذا ولم تترك طبيعة الحكاية وسطوة أفكار الفيلم مساحةً للممثلين كي يظهروا قدرات أدائية جيدة فأصبح حضورهم إجرائيا فقط الغرض منه مجرد ضمان تسلسل القصة عبر الحوار الذي ينطقون به, ويشمل ذلك أيضاً دور البطولة الذي قدمه نيكولاس كيج. وهذا خيار جيد من مخرج الفيلم أليكس بروياس –صاحب الأفلام الشهيرة: الغراب, مدينة مظلمة, وأنا روبوت- الذي أراد أن يمنح الأفكار مساحة كافية للبروز وقدمها في قالب مشوق وإن كانت النهاية قد خذلته كثيراً ولم تكن منطقية بالدرجة التي تتناسب مع فيلمٍ أبطاله علماء فيزيائيون يُقدسون المنطق ويحكّمونه في شؤون حياتهم.