هناك عدة أنواع من الحروب، منها الحروب بالأسلحة التقليدية، ومنها الحروب بأسلحة الدمار الشامل، وأسلحة الدمار الشامل تنقسم إلى أسلحة نووية، وأسلحة كيميائية، وأسلحة (بيولوجية)، وقد استخدمت الأنواع الثلاثة في الحروب، خصوصاً الحرب العالمية الأولى، والحرب العالمية الثانية. وبسبب الدمار الشامل الذي يحدثه استخدام مثل تلك الأسلحة تم تحريمها دولياً، إلا أن التحايل والالتفاف على تلك القوانين وخرقها أصبح من أهم أساليب من يخرقون الأنظمة الدولية، أو يطوعونها لمصلحتهم، ولعل العلم الحديث قد ساعد على ذلك من خلال تمكنهم من تصنيع، واستخدام تلك الأسلحة بصورة محدودة، ولكنها فاعلة، وذلك مثل استخدام اليورانيوم المنضب، والفسفور الأبيض وغيرهما من الأسلحة التي تم تحريمها ولكنهم يجيدون تخريج سبب استخدامها. في هذه الأيام وبعد انتشار ظاهرة الإرهاب الدولي، الذي لا ينتمي إلى دين، أو عرق، أو شعب من الشعوب، قامت بعض اللوبيات والقوى الفاعلة بلصق الإرهاب ومفرداته بالمسلمين، وقد ساعدهم على ذلك حفنة من أبناء المسلمين، الذين يعملون مستشارين ومبرمجين لمثل تلك الأفعال المشينة، وجندوا في سبيل تحقيق ذلك من صغر عقله وتدني تفكيره وقصر نظره، فأصبح آلة يديرها غيره وينتج عن ذلك تشويه سمعة الإسلام والمسلمين، وربما كان ذلك مقدمة لما حاق في بلاد العروبة والإسلام، من حروب ومصائب، ابتداء من أفغانستان، ومروراً بالعراق، والصومال، والسودان، واليمن، فضلاً عن الغيوم الملبدة والقابلة للانفجار بسبب الملف النووي الإيراني، الذي يرافقه إخلال في ميزان القوى في المنطقة يصب في مصلحة التدمير الجماعي لديار العروبة والإسلام. ولم يتوقف أمر المصائب العالمية عند هذا الحد، بل تعداه إلى ظهور عنصر جديد من عناصر الإرهاب المبني على تحقيق الكسب المادي من جهة، وتحقيق غايات في النفوس المريضة التي تقف خلف ذلك المستجد المتمثل في الإرهاب البيولوجي (الحيوي). ففي الآونة الأخيرة كثر القيل والقال حول تلاعب شركات الأدوية ومعامل الهندسة الوراثية بحياة البشر، والدخول في عالم الإرهاب من بوابة العلم والمعرفة.. نقول ذلك ونحن فقراء، ونسمع ونشاهد ازدياد وتيرة عدد الأمراض المستجدة والمعدية، فضلاً عن أن الأمراض المعروفة ربما أُخضعت لطفرات جينية حتى تصبح بحاجة إلى أدوية جديدة، ولقاحات مبتكرة، فمن مرض السارس، إلى جنون البقر، إلى حمى الوادي المتصدع، إلى الإيدز، إلى الايبولا، إلى انفلونزا الطيور، وأخيراً انفلونزا الخنازير التي قضت مضاجع الناس في الدول النامية، ليس هذا فحسب، بل أصبح من المؤكد أن هناك أنواعاً أخرى من الفيروسات في طريقها إلى الظهور بعد أن تتم الاستفادة من الفيروس الحالي. إن مهمة الإرهاب البيولوجي تأتي مقدمة لتصنيع لقاحات وأمصال تدعو الحاجة إلى تصنيعها على عجل، أو أنها مصنعة مسبقاً، ولكن يتم الانتظار حتى يدب الهلع في قلوب الناس ومن ثم بيعها بأغلى الأثمان، ومن ثم تحقيق أرباح طائلة، هذا مع حسن النية بهم، أما إذا وجدت قوى حاقدة تسعى إلى الحد من زيادة عدد سكان العالم من خلال الإضرار، بالنمو السكاني في الدول النامية فإن المصيبة تصبح أنكأ وأمر. نعم ظلت المنافسة واغتنام الفرص غير الشريفة ديدن من يعمل في مجال الاحتكار ويجني الأرباح، حتى على حساب صحة البشر وسعادتهم. وهنا يجب ألا يوجه اللوم إلى من يقوم بتلك الممارسات فقط، ذلك أن جزءاً كبيرًا من المسؤولية يقع على الدول والشعوب الضحية، التي استكانت واستمرت معتمدة على ما يتم استيراده من أدوية وأمصال ولقاحات، وكذلك منتجات التقنية الأخرى من أولئك من دون التحقق من جودتها من ناحية، أو تحقيق الاستقلال الذاتي في مثل تلك الأمور من جهة أخرى، خصوصاً مع تكرر مثل تلك الأزمات. إن ردود فعل الدول النامية بصفة عامة، والدول العربية بصفة خاصة إزاء انتشار الأمراض والأوبئة، لا يختلف كثيراً عن ردود فعل هذه الدول اتجاه ما يحيق بها من أزمات اقتصادية وأمنية وعسكرية. حيث يشتعل الحماس ويتم البحث عن حلول آنية مؤقتة لا تلبث أن تخمد بمجرد زوال النعمة، ثم يتم نسيان الأمر من دون اتخاذ أي إجراءات مستقبلية مثل تحديد الدروس المستفادة، والاستعداد لما هو أسوأ، وإنشاء مركز طوارئ مزود بغرفة عمليات يتم تفعيله وقت الحاجة، ويكون ذلك مربوطاً بمركز معلومات متجدد ومدعوم بمختبرات مؤهلة وقادرة. إن دول العالم الثالث تعتمد في إدارتها لجميع الأمور - بما في ذلك الأزمات - على قاعدة «غداً بظهر الغيب واليوم لي»، أو قاعدة «إن لكل حادث حديث». إن الأزمات تتشابه في العموميات، وقد تختلف في التفاصل، وبالتالي فإن الحراك العشوائي والحماس غير المبرمج لا يحل الأزمات، بل يراكمها. بينما الحراك المبرمج الذي يضع الخطط لمواجهة الطوارئ يمثل ديدن الدول والأمم المتحضرة التي تعد لكل شيء عدته ثم تتوكل. نعم إن أزمة الثقة لم تقتصر على اللقاحات والأمصال، بل سبقتها أزمة ثقة بالمواد المضافة إلى المواد الغذائية، مثل: المواد الحافظة، والملونة، والمنكهة، كما رافقتها أزمة ثقة بالمبيدات الزراعية والحشرية وأساليب استخدامها وطرائق التخلص منها، فضلاً عن نظافة المنتجات الزراعية منها عند نقاط البيع. أما الغموض الذي يحيط بمستوى جودة الوجبات السريعة وأضرارها، التي انتشرت انتشار النار في الهشيم حتى أصبحت وجباتها هي الوجبة الرئيسية لفلذات الأكباد، ما انعكس سلباً على الصحة العامة من خلال ازدياد معدلات السمة وانتشار الأمراض. أما الاستخدام غير الآمن لمياه الصرف الصحي في الزراعة فلايزال هناك من يمارسه، ليس هذا فحسب، بل إن أزمة الثقة امتدت لتصل إلى الأدوية، فأصبحت هناك أدوية مغشوشة، وأخرى مقلدة، وثالثة مزورة الصلاحية، ورابعة تباع على الرغم من انتهاء صلاحيتها، فضلاً عن الغلاء الفاحش الذي تباع به كثير من الأدوية، وهذا كله يدل على أن العالم يعايش فترة عصيبة ملؤها الشك، والبوس، والمرض، والشفاء، خصوصاً لأولئك الذين يعتمدون على ما يستوردونه، أو يجمعونه من منتجات لها علاقة مباشرة بصحة الإنسان من دون دراية أو تحقق كنهها. نعم إن الإرهاب البيولوجي قد مد أذرعته ليطال كل البشر، والفاعل مجهول معلوم بغض النظر عنه بسبب قوته وتجبره. لقد جرت العادة على تتبع مصدر الخطر حتى يتم تحديد منبعه، إذا كان التقصي نزيهاً، أما إذا كان غير نزيه ومتحيز فإن التبعات تلقى على دول وشعوب عن سابق إصرار وترصد، وذلك من قِبَل من يملكون عجلة المال والإعلام الفاعل. أما مصادر الإرهاب البيولوجي الذي يتعرض العالم لابتزازه والذي ما إن يخمد مرض من أمراضه حتى يتصدر القائمة مرض أشد فتكاً، وأنكأ جراحاً، وأوسع انتشاراً من سابقه. إن البلبلة التي يعيشها العالم بسبب إنفلونزا الخنازير تزداد ضراوة مع دخول وكالة «اون» على الخط، فأصبحت المجالس تردد يقول «اون» ان الفايروس مصنع، وان اللقاح غير آمن، وأن المواد الحافظة في اللقاح تسبب العقم، ومرض التوحد، وأمراض عصبية أخرى، ودعمت تلك الأقوال بالرسائل الإلكترونية ومقالات الإنترنت ورسائل الجوال. حتى إن بعض تلك الشائعات ذهبت إلى أن اللقاح أخطر من المرض نفسه فضلاً عن أن اللقاح لم يمر بالفحوصات والتجارب المخبرية الكافية، وذلك بسبب الاستعجال في إنتاجه، ودعموا ذلك بقولهم إن الشركات المنتجة مثل شركة باكستر تطلب من المستوردين التوقيع على تعهد بعدم ملاحقتها قانونياً، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية أن بعض الدول تطلب ممن يتقدم لاستخدام اللقاح توقيع عهد على مسؤوليته الشخصية؛ لأنهم لا يعرفون الآثار الجانبية له، ليس هذا فحسب، بل إن وكالة «اون» ذكرت أن هناك تقارير صدرت من كندا تشير إلى أن امكانية اصابة انفلونزا الخنازير تتضاعف بالنسبة لأولئك الذين أخذوا لقاح الانفلونزا الموسمية. نعم إزاء هذا اللغط صدر بيان من وزارة الصحة وهيئة الدواء والغذاء يطمئن الناس، ويفند تلك المزاعم ولا يلغيها بسبب أن البيان جاء بعد ترسخ الشائعة، ولم يسبقها. وعلى أية حال فإن لتلك الشكوك والملابسات واللغط إيجابيات أقلها يتمثل في توخي الحذر والتزام الحيطة وعدم الركون إلى المسلمات، وذلك من خلال اتخاذ مجموعة من الإجراءات يتمثل بعض منها فيما يلي: * القيام بتحليل عينات عشوائية مما يتم استيراده من لقاحات وأمصال وأدوية ومواد غذائية، في مختبرات على درجة عالية من الجاهزية والاستعداد، وذلك لكي يطمئن القلب من ناحية، ولتقوية موقف الدولة أمام الشركات المصنعة من ناحية أخرى، ذلك أنهم إذا علموا أن منتجاتهم سوف لن تستخدم قبل أن يتم التأكد من جودتها، فإنهم سوف يلتزمون المواصفات المدونة؛ والسبب أن بعض الشركات الكبيرة ربما تلجأ إلى الاستعانة بمنتج بعض الشركات الصغيرة عند الأزمات، والأخيرة لن تكون في نفس الكفاءة، كما أن تاريخ بعض الشركات الكبيرة، مثل شركة باكستر، قد دارت حولها بعض الشائعات. إن درء الخطر قبل وقوعه منهج العارفين. * الاتجاه إلى نشر مختبر مركزي متقدم جداً وذلك من أجل إنجاز عدة مهام يأتي في مقدمتها ما يلي: - أن يكون من مهمات ذلك المركز تحليل عينات، مما يتم استيراده من أدوية ولقاحات وأمصال ومواد غذائية، أو ما يتم تصنيعه أو إنتاجه محلياً، وذلك للتأكد من مطابقة ذلك للمواصفات القياسية العالمية والمحلية من حيث الجودة والفعالية والنسب التركيبية. - إنتاج الأمصال واللقاحات والأدوية المناسبة للأمراض السارية والمستجدة. ولا شك أن الاستثمار في تلك الأمور سوف يكون له مردود مادي على المستوى المحلي حيث سوف يغني عن إنفاق آلاف الملايين على استيراده تلك المواد، إضافة إلى أنه سوف يجني منه أرباحاً طائلة إذا دخل مضمار المنافسة العالمية من خلال التصدير. إن مثل ذلك الاستثمار هو أحد أصناف اقتصاد المعرفة الذي يجب أن نغزوه من كل حدب وصوب. - في سبيل تحقيق ذلك يمكن جلب الخبرات المؤهلة من جميع أنحاء العالم لتعمل جنباً إلى جنب مع المؤهلين من أبناء الوطن، وفي نفس الوقت العمل على استقطاب الشباب الموهوب والمتفوق من خريجي الجامعات وبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي؛ للعمل في ذلك المركز، فضلاً عن تدريبهم أو إعادة تأهيلهم من خلال إتاحة الفرصة لهم للممارسة في أرقى المختبرات العالمية، على قاعدة تبادل الخبرات مع تلك المراكز والمختبرات. - إن تحقيق ذلك المشروع ليس مستحيلاً، خصوصاً دولة مثل المملكة تتمتع بقيادة واعية تقبل المشورة الصادقة، وتعمل بها بإخلاص وحسن نية، إضافة إلى توافر المقدرة المادية التي يمكن من خلالها بناء أكبر مركز علمي للأبحاث الصحية والبيئية، فضلاً عن توافر البنية التحتية من خبراء، ومستشفيات، ومختبرات، وتجهيزات، يمكن التنسيق فيما بينها وإعادة هيكلة بعضها لتشكل منطلقاً لتحقيق ذلك الهدف السامي النبيل، الذي يجب العمل على تشييده لتحقيق الاكتفاء الذاتي من جهة، والدخول إلى حلبة المنافسة العالمية في ذلك المضمار من جهة أخرى، فمثل ذلك المشروع كما أشرت سابقاً يعد إحدى بوابات اقتصاد المعرفة. كما أنه من المشروعات المحتكرة عالمياً وعلى منتجاته طلب كبير خصوصاً في عصر الإرهاب البيولوجي، الذي تعيش مختلف دول العالم تبعاته وآثاره، الذي يشكل إنفلونزا الخنازير إحدى مفرداته. والله المستعان.