على الرغم من عزوف الكثير من الحرفيين في صناعة واستخراج القطران في منطقة عسير عن هذه الحرفة التي ظلت لسنوات طويلة مصدر رزق العديد من الأسر،وتناقص عدد العاملين فيها من أبناء المنطقة المحترفين لهذه الصناعة المحلية .. إلا أن المواطن أحمد محمد منجحي من سكان خيرية الملك فيصل في الحريضة لا زال يتحدى عولمة الزمان والمكان ويعمل منذ بزوغ الفجر في مزاولة مهنته المتعبة والشاقة يصعد قمم الجبال ويسير لمسافات طويلة في بطون الأودية للبحث عن الأشجار اليابسة لجمعها وتكسيرها استعدادا لاستخراج هذه المادة الهامة في الحياة اليومية للإنسان والحيوان . "الرياض " التقت المنجحي في سوق محايل عسير الشعبي وهو يعمل في همة ونشاط لعرض إنتاجه المحلي على الكثير من مرتادي السوق الذين لا زالوا يحرصون على اقتنائه للاستفادة منه في طلاء مواشيهم من الأبل والأغنام وربما استخدامه لبعض الأمراض ومنها أمراض حساسية الجلد كما أوضح ذلك المنجحي . وأكد أنه يعمل في هذه الصناعة التراثية منذ أكثر من 40 عاما حيث يقوم بجمع أشجار الأثل والسلم والشاف والعتم والقُمر الجافة واليابسة وبعد تقطيعها إلى قطع صغيرة يقوم بحملها عبر المنحدرات الجبلية الشديدة على ظهره لمسافة قد تزيد عن خمسة كيلو مترات حتى الموقد الموعد لذلك لتبدأ بعد ذلك رحلة أخرى لا تقل معاناة عن سابقتها . ويقول المنجحي إن عملية إنتاج أو استخراج مادة القطران بنوعيه ( الروب والشوب ) تمر بالعديد من المراحل الضرورية التي تبدأ بإضرام النار في الموقد الذي بُني خصيصا لهذا الغرض وهو عبارة عن بناء من الطين على شكل نصف دائرة ويبنى في العادة على صخرة صماء ذات تجويف معين بهدف المحافظة على تجميع المادة المستخلصة من الشجر وهو القطران وتقع في جانب الموقد فتحة صغيرة لتفريغ القطران وتوضع فوق هذه الفتحة (تنكة) جالون حديدي زنة عشرين لتراً ويوضع داخلها الحطب بعد تقطيعه إلى قطع صغيرة وبعد تعبئتها تتم تغطية هذه الفتحة لضمان عدم تسرب العجاج ( الدخان ) وبهذه الطريقة تتم عملية التكثيف حتى يتحول إلى مادة سائلة .ومضى يقول وقد تستغرق عملية الحرق والتدخين لهذه الأشجار من يومين إلى ثلاثة أيام ليتم إنتاج بضع كيلوات من الزيت السائل .. وهكذا تستمر العملية الإنتاجية لمدة شهر حتى يتم جمع أكبر كمية بهدف بيعها أو استهلاكها . وحول الاستخدامات المتعددة لهذه المادة الحيوية أوضح منجحي أن استخدام القطران يتم حسب نوعيته والهدف من استخدامه حيث يتم إنتاج ما يُعرف باسم ( الروب ) وهو مادة ذات لزوجة عالية جدا ويستخدم غالبا لعلاج الإبل من الجرب ومن القمل والحلم وبعض الحشرات التي تتسبب في تقيح وتجرح جلود الإبل كما يستخدم أيضا في تحسين مستوى عمل خلايا النحل من خلال طلائها بهذه المادة الكثيفة لمنع تواجد الحشرات الضارة ولضمان عدم تسرب مياه الأمطار داخل هذه الخلايا وخاصة الخلايا المنتجة من أشجار السدر مضيفا أن المادة الأخرى المستخرجة من القطران هو ما يُعرف بالشوب ( الزيت الخفيف ) وهو الأكثر طلبا حيث يدخل في العديد من الاستخدمات والصناعات المحلية ومن ذلك استخدامه في الأساس لطلاء الأغنام لحمايتها من تقلبات الأجواء الباردة وللقضاء على الحشرات والقمل التي تنمو داخل شعر هذه الحيوانات .وبين المنجحي أن هذا الشوب يستخدم أيضا لعلاج حساسية الجلد وقد ثمن كما أكد لنا شفاء العديد من المواطنين والمقيمين بفضل الله من حساسية الجلد عند استخدام هذا الزيت لدهن المناطق المصابة على فترة واحدة أثناء النوم ليلا . وأردف بالقول: إن الكثير من الأسر لا زالت تستخدم الزيت في طلاء أكواب الشرب الخشبية لإذكاء الرائحة الطيبة والمذاق المتميز على الماء أثناء الشرب .. هذا بالإضافة إلى العديد من الاستخدامات والصناعات التي تدخل ضمن تركيب هذه المادة .. وطالب المنجحي عبر صحيفة الرياض وزارة الزراعة باستثناء هذه المهن التي تعتمد في الأساس على الحطب من حظر الاحتطاب.. مؤكدا أنه ليس هُناك إضرار بالبيئة والأشجار حيث لا يتم استخدام إلا الأشجار اليابسة التي مضى على موتها أكثر من ستة أشهر .