لكم أحمل بداخلي من التعب ما لا تستوعبه نفسك وما لا يحتمله عاتقاك ومن الحنين إليك ما لا تظن أنه تمخض في برهات من الزمن قضيتها وإياك تحدوني فيها الأحلام ويلوح بين ثناياها الأمل، لا تستغرب يا أبتي.. قد كنت أعارك الاستفهامات قبل رحيلك فأقول: في قلبي فراغ مطبق تجاهك وفي قلبي يتوالى الألم وأتذكر أنك لم تلمس عواطفي وأحاسيسي بودادك ولم تفتقدني يوماً أو ترقي دم قلبي المذبوح! وكان أول استفهام يومض في عقلي: يا ترى - أأذرف الدمع يوماً على والدي بالقدر الذي ذرفته منه؟! وما تخيلت قلبي ليطير هلعاً إلى مطارح ذكرياتك فأرقبك وكأنك على قيد الحياة: - تارة تتوكأ على منسأتك - وتارة ترتشف قهوتك - وتارة تحجب الشمس عن جبينك تتأمل القادم البعيد وتفرج بوجنتيك عن ابتسامة مشرقة وتقلب المسبحة بين أناملك بالاستغفار، وتعلمني من شؤون الحياة ما علمتك إياه. وفي لحظات عاجلة: تهبط الشمس إلى منحدر لها على نية شروق جديد فيتسرب البرد إلى أطرافك الظاهرة وأعمد لاحضار ملاءة ناعمة تبعث الدفء إليك فتشكرني بدعوة صادقة يطمئن لها فؤادي. وفي الغد ألقي عليك تحية الصباح واصنع بيدي ما تهفو إليه نفسك من طعام واسكب في أذنيك جديد أعمالي ومواقف أيامي واستحث الضحكات من صدرك ريثما تجد الظروف وتتغير الأحوال فيقترب موعد رحيلي وايابي لدياري فأدنو منك والحزن من بين نظراتي وأضلاعي يدمع! وأسر الحديث في نفسي: ما أسرع الأوقات تمضي سراعا بجوارك يا أبي.. وأهبط بالعربة بطن الطريق وفي عقلي صور لأحوالك تتسلسل تبدأ بالأرصفة والمحطات والقفار وتنتهي بغروب شمس أحمر وأطلال بلاد نائمة عرفت من مداخن سطوحها الساكنة انها مأواي للقياي يتشوق! كم حسبت أني لن أتأثر ولن أبالي بك ساعة تختفي من الوجود وكم وثقت بصمودي وغرني بالكبرياء وهمي التعيس وبكيت وزفرة زفرة المتحرق وتشدقت برائحة أشيائك ومقتنياتك وقلبتها بين يدي وكأني بها أقلب مواقفي معك ووددت لو كنت بجانبي أضع رأسي على صدرك وأبثك همومي وأوجاعي وأحزان قلبي الصغير.. بيد ان مطارح ذكراك جلجل أنينها بداخلي وطفقت أتنقل من أولاها لأخراها وأتأملك قبل الممات يوم ان كنت في الحياة وأتمناك لو تسمع شجوي وبكائي.