افُتتح في دبي الأسبوع الماضي (في 9/9/2009) قطار المترو، وفقاً للجدول الزمني الذي سبق الإعلان عنه. ويشكل مثل هذا الحدث، بالإضافة إلى فائدته الذاتية التي أدت، تأكيداً على عزم الحكومة على مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية وتعزيز ثقة المستثمرين في بيئة الاستثمار في دبي. وأينما نظرت في الرياض أو الدوحة أو أي من عواصم مجلس التعاون هذه الأيام، تجد المشاريع الكبرى على قدم وساق على الرغم من الأزمة المالية العالمية. وتُبنى هذه البرامج التحفيزية على أسس اقتصادية سليمة، فمنذ نحو سبعين عاماً وضع الاقتصادي الإنجليزي جون ماينارد كينز نظريته في الخروج من الكساد العظيم Great Depression في الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان حجر الأساس فيها تحفيز الاقتصاد عن طريق الإنفاق الحكومي، حينما توقف القطاع الخاص عن الاستثمار، وأفلست آلاف البنوك والشركات والمؤسسات، ووصل معدل البطالة، ومعدل الانحسار الاقتصادي بشكل عام، إلى نحو 25%. ولهذا كان مطلوباً من الحكومة أن تعيد ثقة المواطن ورجل الأعمال في الاقتصاد، إذ كان كينز يعتقد بأن الاستثمار يعتمد على عوامل نفسية كاعتماده على العوامل الاقتصادية البحتة. وربما بالغت الحكومات في استخدام هذا السلاح في بعض الفترات الأخرى التي واجهت تباطؤاً اقتصادياً، مما أدى إلى نتائج سلبية مثل التضخم وانخفاض الكفاءة الاقتصادية، مما أضعف من قابلية نظريات كينز حين استخدمت في غير محلها، أما الوقت الحاضر فإنه وقت مناسب لاتخاذ مثل هذه القرارات، وإن كانت معدلات البطالة والانحسار الاقتصادي لم تصل إلى معدلات فترة الكساد العظيم. وقد حثت قمتا العشرين اللتين عُقدتا منذ بداية الأزمة المالية العالمية، في نوفمبر 2008 وأبريل 2009م، على تبني خطط تحفيزية تتلاءم مع فترة الكساد التي يمر بها الاقتصاد العالمي. وأوصى صندوق النقد الدولي بقوة بأن تقوم الدول بتبني خطط تحفيزية ذات مصداقية، بما لا يقل عن 2% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، بهدف استعادة النمو الاقتصادي. وفي سياق مجلس التعاون، فإن ذلك يعادل حوالي 20 مليار دولار، أو 75 مليار ريال. وقد تبنت جميع دول المجلس خططاً تحفيزية تفوق في بعض الحالات هذا الحد. ووفقاً لنظرية كينز، فإن لمثل قرار دبي بالمضي قدماً في بناء قطار المترو آثاراً اقتصادية مباشرة وغير مباشرة، فالآثار المباشرة تظهر عن طريق ضخ الأموال اللازمة لإنشاء مثل هذا المشروع الكبير في جسم الاقتصاد الوطني، أما الآثار غير المباشرة، فعن طريق ما يوحي به من ثقة للقطاع الخاص، وبالتالي يقوم بدوره بضخ استثماراته في الاقتصاد الوطني أيضاً. ولهذا فإن اختيار المشاريع المناسبة في فترات الكساد الاقتصادي مهم، كما هو توقيت الإعلان عنها والترويج لها، بل إن طريقة الإعلان عنها وتسويقها مهمة في تعزيز ثقة المواطن والمستثمر في الاقتصاد المحلي.