بلغت قيمة تداولات اقتصاد الموت من جنائز ودفن وملحقاتها مبلغ 1.3 بليون جنيه استرليني في بريطانيا في عام واحد فقط هو 2006 لكن هذا الرقم تضخم الآن بشكل أكبر. يفاجأ المرء بكثرة الدعايات التلفزيونية على شاشات التلفاز البريطانية، والتي تدفع ثمن بثها شركات التأمين المختلفة والشركات التي ينتعش اقتصادها على الموت. إذ يحثنا مقدمو الدعايات لاثنتين من أشهر الشركات المتخصصة بالاستفادة من أحزان الناس على أن نقوم بترتيب أمورنا فوراً وسريعاً ودون تلكؤ، وأن ندفع مقدماً تكاليف ومصاريف دفننا بعد الوفاة لئلا "نبلش" أحبابنا من بعدنا، لأنه حسب قولهم "إن كنت تحب أن يذكروك بالخير، قم بالتخفيف عنهم بدفع تكاليف عزائك". ويشجعون المشاهد بأنه إن كان حقاً يحب أولاده وزوجته فعليه ألا "يورطهم" بوفاته وما سينجم عنها من مصاريف، لذلك ينصحونك بالاتصال بهم فوراً لترتيب أمر دفع تكاليف دفنك وجنازتك بنفسك، ولتشجيعك يعدونك بأنك ستحصل على قلم باركر كهدية مجانية إن فعلت. هذه الدعايات المتكررة التي قد تفتقر للحساسية من وجهة نظرنا كشرقيين، لأنها تتعجل موت الشخص وتذكره دائماً بأن قدمه على حافة القبر، إلا أنها بالنسبة للمجتمع البريطاني مجرد تخطيط مستقبلي على اعتبار "ما حدا لحدا". بشكل عام قفز حجم اقتصاد الموت والجنائز في بريطانيا في السنوات الخمس الأخيرة الماضية إلى واحة من الانتعاش الربحي بنسبة زادت عن 42% في أقل من خمس سنوات، وتعتبر هذه النسبة أعلى من نسبة التضخم المالي. وحسب رأي "المحللين" الاقتصاديين فإن هذا يعود إلى انعدام وجود تنافس في مجال هذه المهنة، إضافة إلى أن بعض السياسات التي وضعتها الحكومة البريطانية قيدت فيها شركات الدفن التي تقوم بحرق الجثث إذ ألزمتهم بتركيب بعض الإضافات المكلفة مثل الفلاتر لحماية البيئة من المواد الزئبقية التي قد تتسرب من المحرقة أثناء حرق الجثث. إذ يلجأ الكثيرون لعملية حرق الجثة رغم ارتفاع تكلفة العملية إلا انها قد تكون أقل وطأة من شراء مساحة القبر التي تعتبر عملية مكلفة تشبه شراء قطعة أرض للبناء عليها. وصل معدل تكلفة موت الشخص الواحد في بريطانيا هذا العام إلى 7.098 جنيه استرليني، وهذه التكلفة تتضمن الرسوم القانونية وتكاليف العزاء وثمن الزهور وغيرها. ما يعني أن تكاليف الموت أحياناً تفوق تكاليف الولادة أو الزفاف. وهذه التكاليف ستستمر في ازدياد حسب توفعات المختصين بمقدار سيصل الثلث خلال السنوات الخمس القادمة. وللأسف ضحية هذه الأوضاع هي العائلات التي تعاني الانتكاسة الاقتصادية من الفقراء الذين قد يموتون لأنهم لا يجدون ما ينفقون أصلاً، وإن ماتوا هذا يعني توريط بقية أفراد العائلة الذين قد يضطرون لأخذ قروض بنكية بفوائد ربحية عالية لإتمام مراسيم الدفن. بلغ متوسط تكاليف الجنازة في بعض المناطق 2.733 جنيه استرليني، لكن كلفة الموت في العاصمة أكبر من كلفة الموت في مدن أخرى. إذ وصل متوسط تكاليف الجنازة في لندن إلى 4.600 جنيه استرليني. هذا عدا تكاليف قد لا تخطر على البال مثل استئجار القاعة، ووليمة الدفن، وثمن الكفن، وشراء الحجر ونقش اسم الميت عليه وغيرها. وكون الموت اقتصاد مزدهر انعكس هذا الأمر على المستهلك البريطاني الذي اعتاد التسوق لإيجاد أفضل الأسعار لكل شيء بما في ذلك تكاليف دفنه أو دفن من يحب، إذ يقوم بمفاصلة ومفاوضة شركات الدفن للحصول على أفضل سعر ممكن. يقول بول دوير وهو مستشار في شؤون الموت منذ 25 عاماً: "المأتم والدفن هو بمثابة دفع ثمن خدمة يضطر الإنسان القيام بها فجأة وعلى عجل وفي وقت عصيب، ولأن الغالبية لا يكون لديهم الميل للمفاصلة على السعر حين حصول الوفاة بسبب الحالة النفسية للأقارب لذلك قد يتم استغلالهم، لقد وجدنا أن 8 من كل 10 وفيات كلفت 75% زيادة عن السعر المفترض. ومع ارتفاع سعر إجراءات الدفن اشتكى "المستهلك" من أن هذا قد يعود لوجود وسطاء في هذا المجال أو ما يسمى بالطرف الثالث. ولأن هذا المجال مثل غيره من الاستثمارات يستند إلى الدعاية والإعلام، تقوم شركات الدفن بتحبيب التعامل معها لاستدراج الموتى الأحياء للتعامل معها مثل شركة جيريمي سميث الذي يدير شركة غرين ايندينغ إذ يعد بإقامة طقوس وفاة "صديقة للبيئة". شركات أخرى تتفهم الوضع الاقتصادي السيئ تعرض أسعار مخفضة مقابل استخدام أكفان مستعملة "سيكند هاند" أو الحجز في الصباح الباكر للدفن إذ إن الرسوم تكون أرخص في هذه الفترة. لكن في النهاية يجب اتباع نصيحة دينيس كانتور من مؤسسة "كريوز للأحزان" والذي يطمئننا بأنه لا داعي للقلق على موضوع الدفن إن كنت لا تملك ما يكفي من المال لتسديد نفقات مأتمك". عليك فقط أن تموت وهم سيقومون بالواجب على أفضل ما يرام.