وراء كل واحد من نزلاء دار الملاحظة الاجتماعية في الدمام حكاية زجت به بين أسوار الدار؛ إلا أنهم جميعا يتحدون في حالة الحنين إلى اجتماع الأهل والأحبة على سفرة الإفطار اليومي في رمضان ومشاهدة المسلسل الجماهيري "طاش ما طاش".. هذا ما عبَّر عنه احمد (17 سنة) المتورط في قضية أخلاقية أدخلته الدار منذ ما يزيد على التسعة أشهر، احمد الذي يجلس على كرسي معدني مع مجموعة من زملائه على مائدة الإفطار يبتسم بخجل ويقول:"اشتقت لأكل الوالدة بلا شك"، ثم يضع ملعقة الشوربة جانبا ويضيف قائلا:"هذا أول رمضان لي خارج البيت، حقا أشعر بالبعد عن الأهل" ثم يطرق رأسه ويتمتم بالقول:"بالفعل أنا نادم، وانتظر لحظة الحروج لعناق والدي". ويتفق صلاح (17 سنة) مع أحمد الذي يجلس معه على طاولة الإفطار، مضيفا انه أتى الدار منذ شهرين ولكن لم يجد ما يضاهي أكل الوالدة، معتقدا أن رمضان كان كافياً لإشعاره بالندم على حد تعبيره، أما عبدالله (17 سنة) والمتهم في قضية سرقة، فيصف لزملائه على مائدة الإفطار مذاق مهلبية الكاستر الصفراء التي كانت تحضرها له والدته بعناية، ثم عض شفته السفلية بأسنانه في دلالة صامتة على الندم. ولكن حمد (16 سنة) المتهم بقضية قتل، فلا يعلق على الطعام ولا يتطرق لأكل البيت وهو يجلس على مائدة الفطور الجماعي، لكنه قال:"تعودنا البعد عن الأهل"، وعن برامجه في رمضان يعلق قائلا:" طاش ما عليه زود.."، ليؤيده خالد الذي أبدى إعجابا خاصة بحلقة "الرز" من "طاش16" ليقاطعهما عبد الرحمن بأن"باب الحارة" هو الأفضل، وهو ما ينحاز إليه حسن (17 سنة). هذه عينة عشوائية من حال الأحداث الموقوفين في دار الملاحظة خلال شهر رمضان المبارك، حيث تقيم لهم إدارة دار الملاحظة في الدمام برنامجا يوميا حافلا بالأنشطة التي تتوزع بين الديني والرياضي والاجتماعي، إضافة إلى مركز (إبداعنا بأيدينا) والذي يشرف عليه مباشرة نزلاء الدار. مابعد الإفطار.. طاش! بُعيد الإفطار التقينا أمين المكتبة، وهو شاب من جنسية عربية اجتاز السابع عشرة من العمر، قال إن الإقبال على القراءة في الدار يصل حتى 80% في المكتبة التي لا يتجاوز حجمها 25 متراً مربعاً، حيث تتوزع فيها كتب الدين والقصص الصغيرة والتاريخ، إلا أن نسبة الكتب الدينية تصل إلى ما يزيد على النصف، ومن عناوين الكتب نقرأ: "تفسير في ظلال القرآن" لسيد قطب وكتاب آخر بعنوان "مدغشقر:بلاد المسلمين الضائعين"، وهو ما دفع أمين المكتبة إلى المطالبة بتزويد المكتبة بكتب حديثة من قصص وأشعار تناسب فئة الشباب، خاصة وأن ثمة إقبالاً على الشعر في الدار وجدناه في حفل ما بعد الإفطار، حيث أنشد حاتم شعرا في مدير الدار استلهمه من ليلة دخل فيها مدير الدار الزميل علي سعيد يتحدث إلى نزلاء دار الملاحظة خلالة وجبة (عدسة عصام عبدالله) عبدالرحمن المقبل على المهجع الذي ينام فيه حاتم وزملاؤه، ليجد المقبل بعض الأحداث وقد نام دون أن يتلحف جيدا بالبطانية في عز الشتاء، ويقول حاتم في شعره :"البارحة شفتك تغطي المساجين.. وحن قلبي على والدي..وسال دمعي من هالعين..وأقولها بكل جدية..ما دام ابو مشاري (مدير الدار) موجود محنا المساجين.. يواسينا ويرقدنا بكل حنية..يالله يارب أنك تجيب له الزين..وتجيب له إلي تمناه هدية..وارجوا من السامعين يقولون آمين يقولون آمين..وختامها مسك وورد وجورية". وعن هذه الكلمات يكشف مدير الدار الذي يحظى بمحبه عفوية واحترام من قبل النزلاء قائلا: "أعطاني حاتم هذه الكلمات وتركتها في جيبي يومين، ثم التفت لها لأفاجأ بأنها أبيات استوحاها هذا الشاب الصغير من تلك الليلة التي دخلت فيها على مهجعهم". علاقة إنسانية "أبو مشاري" الذي يمثل بحق الأب الروحي لجميع من في الدار؛ قالبا الصورة التقليدية عن المدير؛ ذلك الرجل المخيف والمرعب و القاسي، حيث لا شيء من هذه الصفات توجد في عبد الرحمن المقبل، الذي يحتفظ له نزلاء الدار بمحبة وود لا يمكن أن يصطنع أو يمثل أمام زوار الدار!. وحول هذه العلاقة بين مدير الدار والأحداث الذين جاؤوا من مختلف مدن الشرقية، من سلوى حتى الخفجي وما بينهما من مدن ومحافظات، يقول أبو مشاري: "هؤلاء أمانة سلمها لنا ولي الأمر، وهم أغلى ما يملك أولياء الأمور"، وحول برنامج الإفطار في رمضان يقول :"يجتمع الجميع في مكان واحد ويأكلون من الطعام الذي يحضر في الدار، فضلا عن الإفطار العائلي الذي سيقام قريبا، تحضره أسر الأحداث لكي يتسنى لهم لقاء أهلهم على موائد رمضان". وحول أنشطة الدار في الصيف وخلال شهر رمضان المبارك يقول مدير الدار: "تتفاعل مؤسسات المجتمع والمتطوعون لتفعيل برامج الدار"، منبها إلى أن المتطوعين ينتقون بعناية ويخضعون إلى شروط خاصة داخل الدار، حيث يتم تحري السيرة الذاتية لكل متطوع"، ويؤكد المقبل أن الأنشطة تسير بين ما يريده الأحداث وبين ما تريده دار الملاحظة من تطبيق للبرنامج العلاجي".