أميرنا الغالي هل أحكي لك حكايتي أم أمسك؟ بعثت لي جبال السودة أشعارا وتهاني مذ أتيتني أميرا. كانت تبعث برسائلها مع المزن مخلوطة بدموع الفراق. حكت لي عنك حكايات كثيرة وعن معاناتك وعن إنجازاتك، وأقسَمتْ عليَّ إلا أن أحكي لك. فلم أجد بدا من القول. إن عمري ياخالد يقاس بملايين السنين، ولهذا فالحديث معك قصير وإن طال، ممتع لايُمل. رأيت ملوكا وصعاليك وحملت يخوتا وقوارب. اهتزت الأرض من تحتي مرارا وفتحت عن جوفها لتقذف حمما هنا وهناك صارت مصائد للمطر ومصايف للبشر. زمجرت السماء من فوقى وصبت جام زلالها بردا وسلاما. لو أحكي لك أيها الأمير عن كل مالدي لما وجدت الزمن الكافي ولهذا سأختصر. كانت أمواجي الجميلة كالفتيات تتسابق إلى جدة لتقبل شواطئها المرة تلو المرة، لاتكل ولا تمل. كان كل مَدٍ مني لوعة ولقاء وكل جَزرٍ لهفة واشتياقا. كرمتُ جدة بنسماتي وناجلي وشُعَبي. وعصرت لهم ملوحتي كي يشربوا سلسبيلا. فما لأهلها يرمونني بمخلفاتهم ويضخون مياه الصرف في جوفي؟ أصبحت أدفع أمواجي إلى الشواطئ وفاء وحبا. أدفعها دفعا فهي تخشى عفن الشواطئ وتشمئز من قذارتها. إنني أحتضر ياخالد. إنني أختنق. إن موتي لايبدأ بالأطراف بل هناك بعيدا عن الأعين في الأعماق وحيث الشُّعَب. إن موتي حياة لكل ماتكرهون، فلا تدَعوني أمتْ. ياخالد إنهم حرموني متعة الاستماع إلى شِعرك المُلقى وشعرك المُغنى. ياخالد مضت ملايين السنين وأنا أزداد قوة وجمالا، وإذا بشرِّ خمسين سنة يكاد يقضي عليّ. ياخالد. لم أشتكِ لأحد من قبلك ولن أشتكِ لأحد من بعدك من البشر، فإن لم يفعلها خالد فلن يفعلها سواه "هذا ماقالته جبال السودة". أتمنى لو تحل ضيفا علي في ليلة مقمرة إذا لقلت كما قال الشاعر: ولو خُيرت ثانيةً لكان خيارنا القسري إبحاراً وأشرعةً وأمواجاً بنا تسري وألحاناً عذوبتها تناغم رقصة البدرِ على الأمواج تأسرنا فيالَجمالِ ذا الأسرِ التوقيع البحر الأحمر