لستُ ممن يفهم أو يمارس أو يتقن هندسة العمارة، وهي إحدى أهم قوائم التطور والفن القائم بذاته ، ولا أريد أن أدخل في العلاقة التي تربط هذا الاختصاص بالإنسان وفضائه وقيمه الجمالية والاقتصادية لكنني أريد فقط أن أسجل مشاهداتٍ وبعض تجارب ربما تساهم في تدني تكاليف البناء.. فبلادنا، في عموميتها، صحراء ووفق ما فهمناه فهي طقس حار في الصيف، بارد في الشتاء إلا من بعض المناطق .. ولأجيال طويلة، استطاعت كل مدينة أو محيط جغرافي التعامل مع ظروفه بمبتكرات سدت حاجاته، فهناك مَن شيد مسكنه وقلاعه وأسواره من الطين، والآخر من الحجارة و"الجص" في السراة ، بينما في تهامة فإن السائد العام هو العشش، وهي التي تشيد من القصب أو نباتات مماثلة وتغطى بأوراق وأعشاب عازلة ثم تطلى بالطين مع مواد أخرى فتجعل تماسكه جيداً في مكافحة الحرارة والأمطار والعواصف ، ولعل الحاجة أم الاختراع، كما يقول المثل، وهنا اهتدى الآباء والأجداد لهذه الصيغة.. في عصرنا الراهن تطورت الوسائل والأساليب في العمارة، ودخلت سباقاً متجدداً مع الابتكارات التقنية والتي تراعي التكاليف والمواد المستخدمة، والعوازل والإضاءة والاستهلاك بالكهرباء والماء وغيرهما، ولعل الغاية في بيئة لها خصائص معقدة مثل بيئتنا، هناك من وصل بحسه العام عندما اهتدى بعض الأفراد إلى جعل العازل بين الحوائط خليطاً من طين ورمل، وتبن، وحسب تجاربهم وجدوا النتائج في غاية الإتقان، وجاءت تجربة أخرى أجرى التجربة عليها مهندس من إحدى الدول العربية عندما اشتد الطلب على "رشة" (الجرانيت) فاستطاع غسل الرمل ومزجه بمواد لاصقة عوضت تماماً عن تلك الرشة بل وظلت غير متأثرة بالحرارة والشمس، والعوامل الزمنية.. الغاية هنا أننا نتبع في منشآتنا ذات المواد المكتشفة في الخارج والتي اعتادت أن تكون جزءاً من هيكل مبانينا مثل الأسمنت بأغراضه المتعددة، والطوب والحجارة، والأخيرة تعد مع مواد أخرى موجودة في بيئتنا وعلى نطاق كبير، ولعدم وجود دراسات وابتكارات تستخدم أو تعيد البحث في مواد البناء التقليدية وجدواها الاقتصادية ومقاومتها، أسوة بالدول التي تحاول تطوير خامات بيئتها وإعادتها إلى الحياة، فإننا سنبقى تابعين لغيرنا، في واحدة من أهم الاحتياجات الضرورية، وبتكاليف ليست في متناول أصحاب الدخول المتوسطة والصغيرة.. فالعمارة، أو "الفيلا" لم يخضع تخطيطهما لمراعاة بيئتنا بشكل ينسجم وطبيعة الظروف المحيطة بنا، ولذلك تلقى الحي، والمدينة، وحتى المنشأة العائلية بُنيت وخططت عشوائياً مما جعل الانسجام بين هذه الأشياء مفقوداً تماماً، ثم إن الفسوحات التي أعطيت في فترة الطفرة الأولى، والثانية، واستمرت حتى الآن خضعت لمزاج المخطط والمنفذ والمالك دون اعتبار لحالات الانسجام والطبيعة التي تؤسس معماراً هندسياً متناغماً وذا طابع محلي متطور، وهذه مجتمعة أصبحت أحد الأسباب لأنْ تكون العمارة لدينا عشوائية، وبأسعار بدأت تضيق على أصحاب الدخول المحدودة، ولعل القصور لا يأتي فقط من جهة بعينها وإنما بكل من له علاقة بجغرافية المدن وهندستها ، وكل ما يتصل بالتطوير والابتكار..