بدت التحذيرات التي واكبت الجدل الجاري هذه الأيام بشأن أبحاث الخلايا الجذعية «خلايا المنشأ» والتلاعب في الجينات في البداية وكأنها مألوفة تماماً. وكان منتقدو عمليات زرع الأعضاء الأولى يتهمون الأطباء الرواد في هذا المجال بأنهم يتلاعبون فيما خلق الله وكانوا لا يخفون شماتتهم في فشل بعض هذه العمليات آنذاك. بيد انه بعد مرور 50 عاماً على إجراء أول عملية زرع أعضاء ناجحة في بوسطن في 23 كانون الأول «ديسمبر» عام 1954 صارت هذه العمليات بمثابة إجراء طبي شبه روتيني يتم في عشرات الدول في مختلف أنحاء المعمورة وباتت تنقذ أرواح الآلاف كل عام. وأحدث ما طرق هذا العلم: عملية زرع وجه كامل لأولئك الذين تعرضت وجوههم لتشويه بشع بفعل إصابة أو مرض السرطان أو حروق أو عيوب ولادية. ونقل أعضاء من الخنزير إلى الإنسان واستخدام الخلايا الجذعية في تكوين أعضاء ستكون فرص رفض الجسم لها محدودة نظراً لأنها آتية من جسم المريض نفسه. وما أبعد الشقة عن التحدي الذي واجهه أطباء بوسطن عندما فتح رونالد هيريك صفحة جديدة في تاريخ الطب في مستشفى بريغهام اند ويمنز هوسبيتال قبل 50 عاماً بتبرعه بكلية لشقيقه التوأم المتماثل ريتشارد الذي كان يحتضر بسب الالتهاب المزمن في الكليتين أدى لتضخمهما. وسمحت عملية النقل التاريخية تلك لريتشارد بأن يعيش بعدها ثماني سنوات. وصرح هيريك لمحطة راديو بوسطن هذا الاسبوع قائلا «كنت أريد أن أساعد شقيقي فحسب وكانت هذه هي الطريقة لتقديم هذه المساعدة. ولم أفكر وقتها في أن هذا سيصير فتحاً كبيراً». وكان الأطباء يحاولون منذ العقد الأول للقرن العشرين إجراء أول عملية ناجحة لزراعة الأعضاء وعرفوا هذا النجاح بأن يعيش المريض عاماً واحداً على الأقل بعد العملية. لكنهم واجهوا باستمرار مشكلة لفظ الجسم تحديداً جهاز المناعة - للعضو الغريب. وكانت مسألة الحمض النووي «دي إن ايه» قد اكتشفت قبل عام واحد فقط لكن الأطباء في بوسطن كان لديهم احساس قوي بأن نقل عضو بين توأمين متماثلين بدلاً من أخذ عضو من شخص ميت ربما كان أفضل لأن فرص لفظ الجسم له ستكون أقل. بيد أن الإجراء واجه مشكلات أخلاقية أيضاً حسبما يتذكر دكتور تشارلز موري الذي أنجز فريقه العملية التاريخية. ويقول «كانت المشكلة الحقيقية تتمثل في أخذ كلية من شخص يتمتع بصحة جيدة ونقلها لشخص آخر يحتاج إليها. ولم يكن هذا قد حدث من قبل - وألمع كثيرون بأن فشل العملية سيؤخر التقدم في هذا المجال ربما لعدة أجيال قادمة». لكن موري مضى قدماً فقد أقنعته سنوات البحث الطويلة بأن المغامرة المحفوفة بالمخاطر ستنجح. وبعد عملية شاقة شاهد موري ثمار النجاح في عين هينريك. يقول موري «شاهدته بعد العملية بيوم كان وجهه مبتسماً. وكانت عيونه يقظى. كان يشعر بالجوع لأول مرة منذ شهور». واستمر موري في طريقه إلى أن حصل على جائزة نوبل عام 1990 ولا يزال حتى اليوم يتلقى برقيات من المرضى الذين نقل لهم أعضاء ومن ذويهم يشكرونه فيها على عمله المبدع. وقال موري «إن عملية نقل الكلية بين التوأمين كانت بمثابة ثورة لأنها نجحت بالفعل. وكانت رائعة». تقول آن مور المتحدثة باسم منظمة «يونايتد نيتوورك فور أورغان شيرنغ» وهي منظمة غير ربحية تساعد في التوفيق بين أعضاء المتبرعين مع المتلقين في مختلف أنحاء العالم «إن عمليات نقل الأعضاء صارت شائعة. وأكثر أماناً». ويعود هذا جزئياً لتطور العقاقير المثبتة للأعضاء والفهم الأفضل لكيفية عمل جهاز المناعة.