الغضب.. هذه المشاعر الهادرة في أحياناً كثيرة، والموقف الصعب الذي قد يقود صاحبه إلى أمور لا تُحمد عقباها، وقد حذّر منه كل الحكماء، ولعل الحديث الشريف الذي ينهى عن الغضب أكبر دليل على أن العضب خصلة لا يتمتع صاحبها بالارتياح من قبل الآخرين، خاصة من يكون سريع الغضب. لقد تعاملت خلال الأسبوع الماضي مع أشخاص متعددين، كان منهم من هو سريع الغضب ويصل في غضبه ويستشيط إلى أبعد حد، وآخرون كانوا يدارون غضبهم بقدر ما يستطيعون وآخرون كانوا في منتهى الهدوء والحكمة في التعامل مع حادث واحد أو موقف شخصي بالنسبة لي. لقد ضرب فيروس جهاز الحاسوب عندي، وليس لي خبرة في التعامل مع مثل هذه التقنيات، ولكن شعرت بأن هناك فيروسا يعيث فساداً في جهازي، وقد تلقيت هذا الفيروس عبر رسالة الكترونية وبها بعض الملفات التي عجزت عن أن أفتحها. فأجاني العدد الهائل من الرسائل الالكترونية التي تستفسر مني عن هذه الرسالة الفيروسية، وهل أرسلت أنا رسالة لهم ليفتحوها أم لا؟ هذا كان معظم الرسائل التي وصلتني كما فصلتُ سابقاً، مختلفة، مُتغايرة، ولكنها عكست بالنسبة لي: كيف يتعامل الشخص مع الغضب؟ ليس من السهل أن تمر بموقف تحصل فيه على هذا الكم الهائل من الاستجابات لأشخاص من مختلف الطبقات، وإن كان يطغى على الذين تفاعلوا مع هذا الحدث هم الطبقة العليا من الطبقة الوسطى. فبحكم عملي كطبيب لقرابة خمسة وعشرين عاماً، وحضوري لمئات المؤتمرات، فقد صار في مخزون العناوين في بريدي الالكتروني أسماء كثيرة، بالطبع أكثرهم من الزملاء الأطباء، وهذا أمر متوقع، فبحكم عملي كطبيب يكون أكثر من أتبادل معهم الرسائل الالكترونية هم من الزملاء الأطباء، ولكن ليس جميع من في مخزون العناوين هم أطباء، فثمة اصدقاء وزملاء من الأدباء والكتّاب من المملكة ومن بعض الدول العربية الذين ارتبط معهم بعلاقات صداقة أو زمالة من خلال حضوري بعض المؤتمرات الأدبية وكذلك حضوري لمعارض الكتاب، خاصة في القاهرة وبيروت والرياض بصورة دائمة، جعل لي بعض العلاقات مع بعض الكتّاب والأدباء والمفكرين. أيضاً بحكم عملي في جريدة الرياض لسنوات فهناك بعض المرضى من مستويات علمية مرموقة ونتراسل بشكل شبه مستمر. لا أريد أن يظن البعض بأني أضفي على نفسي العظمة لكن هذا ما جعل عناوين العديد من الشخصيات موجود ضمن قائمة العناوين في بريدي الالكتروني. عندما ضرب هذا الفيروس وأصبح يرسل رسائل لكل من في ملف العناوين في بريدي الالكتروني، كان موقفاً صعباً بالنسبة لي. بدأت بتلقي الرسائل.. رسائل كثيرة تتساءل عن هذا الفيروس وعن رسالتي هذه؟ هذا خلاف للرسائل التي لم ينجح بريدي الألكتروني بإرسالها فتعود عليّ بعبارات الرسالة لم ينجح إرسالها وكانت تأتيني مثل هذه الرسائل بالمئاب لأن البريد يرسل بشكل مستمر وهذا ما حدا ببعض الزملاء أن يصل حد الغضب الشديد، فهم يمسحون، ويُفاجأون بأن هذه الرسائل تعود مرة آخرى. وهذا كان القشة التي جعلتهم يخرجون عن طورهم، فبعضهم فقد السيطرة على غضبه غير أن هناك رسائل كانت مختلفة.. رسائل تحمل غضباً عليّ لأني أرسلت هذا الفيروس لهم! برغم أني لم أرسله وإنما الفيروس هو الذي بعث بكل العناوين الموجودة في جهازي. يولد المشاكل المتعددة تلقيت رسالة من زميل طبيب استشاري كانت مثار استغرابي، فقد كتب رسالة تحوي كلمتين ولكن هذه الرسالة كانت في غاية البذاءة مما يدل على أن هذا الزميل تصرّف وكتب هذه الرسالة وهو في قمة الغضب الذي لم يجعله يُفكّر بما يكتبه. وكانت تحتوي على كلمتين بذيئتين..! في البدء كان وقعها مؤثرا بالنسبة لي، لأني لست المُذنب والشيء الآخر لم أتوقع من زميل طبيب استشاري قضى سنوات طويلة في اوروبا وأمريكا أن يتصرف ويتلفّظ بهذه الكلمات في رسالة الكترونية، ولكن بعد تأمل لم يطل، شعرت أن من حقه أن يعبّر عن مشاعر الغضب التي أحسها عندما وصلته الرسائل الألكترونية المتعددة من عنواني. رددت عليه بالاعتذار وبأني سعيد بأنه أخرج ما في داخله من غضب وأنني أكرر الاعتذار لأن لا حيلة لي فيما حدث وإنما هو فيروس. بقيت كلماته تدور داخل نفسي، كيف يتلفظ بها عليّ وهو يعرفني، وقد يعرف بأنه من الصعب أن أبعث برسائل متكررة، ربما تحوي شيئا يخدش الحياء، ولكن زميلا عزيزا فتح الملفات المرافقة وأكدّ لي بأن ليس فيها ما يمس الأخلاق أو يخدش الحياء. بدأت مشاعر الشعور بالرفض، لأني شعرت بأني لا أستحق أن يُلقى عليّ بهذه الكلمات البذيئة، لكن سرعان ما هدأت وشعرت بأني تصرفت التصرف اللائق مع شخص غاضب. فلو كنتُ من الأشخاص سريعي الغضب، ورددتُ عليه بكلمات غاضبة فربما انكسرت العلاقة بيننا، ولكن ردي أشعر زميلي بأنه أخطأ وأنه قال كلاما لا يجب أن يقوله، وأنه تعجّل وانساق وراء شعور الغضب، وشعر بالندم، خاصة بعد رسالتي التي تحمل له اعتذارين عن عدم مسؤوليتي عن الرسائل التي وصلته وكذلك سعادتي بأنه أخرج الغضب عندما شتمني بتلك الكلمات. وانتهى الموضوع بخير واتصال الزميل بي. غضب طارئ لو فكّر كل واحد فينا بما يقوم به من سلوك تحت تأثير غضب طارئ، وما قد يعود عليه هذا السلوك من كوارث الأمور، ففي لقاء قرأته قبل العديد من السنوات مع مساجين في أحد سجون الرياض من المساجين المحكوم عليهم بالاعدام، وكانت اللقاءات مؤثرة لاشخاص ينتظرون أن يُنفّذ فيهم حكم الشرع بالقصاص، تدرب على السيطرة على غضبك وكان معظم إن لم يكن جميع من تمت مقابلتهم، كانوا نادمين على ما ارتكبوه من خطأ وهم يُرجعون ذلك إلى فورة الغضب التي جعلتهم يرتكبون جرائم يحاكم عليها الشرع بالقتل مثل القتل العمد أو جرائم ارتكبها فاعلوها تكون عقوبتها الإعدام، وعزا هؤلاء الاشخاص إلى أن الغضب كان السبب وراء هذا التهور وارتكاب هذه الأفعال. تختلف ردة فعل الأشخاص في غضبهم وردهم على الأعمال أو التهور في الاستجابة لأفعال قد تكون تافهة، على سبيل المثال أحياناً هناك شخص يقتل شخصا آخر لمجرد أنه لم ينصع له وأفسح له الطريق..! وهناك حوادث قتل من أجل لعب كرة، أو مبالغ زهيدة أو حتى قطعة أرض صغيرة بين أقارب يقتل أحدهم ابن عمه من اجل بضعة أمتار من ارض مُختلف عليها، كان يمكن حلّها بالتفاهم، وحتى لو خسر أحدهم هذه الأمتار من الأرض، فهو خير من ان تخسر عائلة ابنين من العائلة بسبب سرعة الغضب. الغضب سلوك يمكن السيطرة عليه، وهناك برامج لتعليم الشخص التعامل مع الغضب، وهو ما يُعرف ب «Anger Management” وهناك فيلم جميل يحمل نفس الاسم بطولة جاك نيكلسون حيث يقوم هذه الممثل بدور مدرب يقوم بتدريب الأشخاص سريعي الغضب والذين تحكم عليهم المحكمة بحضور هذه الدورة للتعامل مع غضبهم بسبب حوادث ارتكبوها تدل على سرعة الغضب عندهم، ويجب عليهم أن يكملوا هذه الدورة أو الذهاب إلى السجن. والغضب برغم أن الكثيرين يعتقدون أنه شعور تلقائي لا يمكن السيطرة عليه، ولكن الحقيقة هو أن الغضب يمكن التحكم به عن طريق التدريب وأحياناً العلاج السلوكي الذي يساعد على أن يُغيّر الشخص استجابته للغضب ويتحكم بل ربما يُسيطر على الغضب بعد أن كان الغضب يرسم جميع خطواته واستجاباته للسلوكيات التي لا يتقبلها.