كثيرون يمتنعون عن تلبية دعوات الفطور والسحور ، ويختلقون الذرائع للهرب منها ، بعضهم بداعي الارتباط المسبق ، وبعضهم يهرب منها بهمهمة لا يكاد يُفهم منها شيئا ، فيما البعض الثالث يحاول أن يكون أكثر وضوحا فيزعم أنه لا يستجيب عادة لمثل هذه الدعوات لأنه يرتهن لطقوسه الخاصة في هاتين الوجبتين ، وفي المقابل هنالك من يسرف كثيرا في الإلحاح في الدعوة ، إما من باب كسب الأجر ، على قاعدة : من فطر صائما فله مثل أجره ، أو من باب التمسك بأدبيات الضيافة التي لا يجب أن تتوقف في رمضان ، وهو شهر الخير والبركات . هنا أريد أن أتساءل : هل الفطور والسحور مجرد وجبتين غذائيتين كالغداء والعشاء تغير وقت تناولهما فقط بحكم الصيام ، أم أنهما شيء آخر مختلف له طقوسه الخاصة التي يفضّل الكثيرون النأي بها عن الآخرين؟ في اعتقادي الشخصي ، أن السحور والفطور بوصفهما حاجة بيولوجية يأتيان في مستهل ونهاية فترة إلزامية للامتناع عن الأكل والشرب قد كشفا زيف بعض مآدبنا ، وما يُصاحبها من مجاملات ، وارتهاننا لتلك المجاملات بآلية عجيبة ، فأنت تذهب لدعوة على الغداء لا لتتناول الغداء بقدر ما تستجيب لتلك الدعوة ، هذا هو الهدف الأصلي أما تناول الوجبة فهو مسألة هامشية ترتبط بظروف الوليمة والمدعوين والمكان الذي تضعك الظروف فيه ، أحيانا لا تجد ملعقة لتتناول طعاما لا يُمكن تناوله إلا بها فتكتفي بالفاكهة بذريعة أنك تتبع نظام حمية ، هذا لأنك لست ملزما بخرق تلك القواعد المزيفة التي تواطأ عليها الناس ، ثم لأنك تعلم أن بوسعك الإذعان لهذا الواقع على أن تتناول غداءك أو عشاءك في منزلك في وقت لاحق . في الفطور والسحور الأمر يختلف فأنت قادم من صيام أو ذاهب إليه ، وبالتالي لا مكان لزيف المجاملات هنا ، وعليك أن تتناول وجبتك كما ينبغي دون إدخال تلك الحسابات المبجلة في ذهنك ، عليك أن تأكل ما تشتهي لا ما تمليه عليك ظروف الوليمة العامة وتقاليدها .. أن تتمطى .. أن تمارس حريتك .. أن تتناول طبق الشوربة من إطار الإناء إن كان هذا يروقك ويشعرك بفرحة الفطر .. أن تأكل بيدك ، ألا تضطر لاستخدام تلك الشوكة اللعينة ، أن تغمّس ، أن تفعل ما تشاء دون أن تضرب حسابا لمن يجلس بجانبك .. هذي هي بعض الطقوس فيما أعتقد التي يتذرع بها البعض للهرب من الدعوات الرمضانية ، والتي لا يجرؤ أحد على فعلها وممارستها في وليمة ، لسبب بسيط وهو أن الناس قد صنعوا من ولائمهم بحمى المظاهر المزيفة ما حوّل تلك الولائم إلى مجرد شكليات غير قابلة للمس ، إلى درجة أنك قد تشعر أحيانا في بعض المآدب من كثرة الإمعان في صفها وترتيبها أنها وضعت للتصوير لا للأكل ، وأنك لو فكرت في مس بعض محتوياتها فقد تنهار تلك الهرميات مما قد يضعك في موقف حرج يلفت الأنظار إليك ويسيل العرق البارد من جبينك .. لهذا يختفي الناس مع طقوسهم في رمضان خلف جدران منازلهم ، رغم فرضية حدوث العكس تكريما لهذا الشهر الفضيل ، وذلك هربا من زيفٍ صنعوه بأيديهم وشاركوا فيه وبجّلوه .