مهما تطورت تقنيات البشر وارتفعت حصيلتهم العلمية والمادية تظل هناك حواجز يصعب عليهم اقتحامها أو التحكم بها (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لايستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب) !! ومحاولات التحكم بالمناخ والطقس بما في ذلك خلق الأعاصير والرياح تدخل ضمن هذه الخانة المستحيلة .. وحتى في حالة نجاحنا في إحداث تغيير معين يظل مؤقتا وقاصرا على منطقة صغيرة ومحصورة - مثل قدرتنا على تكييف غرفة صغيرة ولكن ليس وطنا بأكمله - ... وفي المقابل أجدني أكثر تفائلا فيما يخص تقنيات ومحاولات الاحتماء من الكوارث ومظاهر الطقس المتطرفة .. وأذكر شخصيا ( حين أحرق صدام حسين آبار البترول الكويتية عام 1991) أن قدم الأهالي اقتراحات كثيرة لإطفائها بطرق رخيصة ومبتكرة (مثل صنع قبة برونزية ضخمة تنزل فوق البئر المشتعلة فتُُطفأ النار تلقائيا قبل أن ترفع بالهيلوكبتر الى بئر أخرى) غير أن أيا منها لم يعتمد لأسباب كثيرة أهمها ضغوط الشركات الأمريكية المتخصصة بإطفاء آبار النفط !! .. وقبل فترة بسيطة حدث استفتاء مشابه في ولاية فلوريدا بخصوص مقاومة الأعاصير بدل آبار النفط؛ فبسبب موقعها الفريد كثيرا ما تتعرض فلوريدا لأعاصير ورياح مدمرة . وبعد أن تعرضت في سبتمبر الماضي الى إعصار مدمر (قدرت خسائره بالبلايين) افتتحت حكومة الولاية موقعا على الانترنت لتلقي اقتراحات الناس بخصوص تغيير مسارات الاعاصير أو تلافي أخطارها المدمرة .. وبسرعة امتلأ الموقع باقتراحات كثيرة غريبة مثل إنشاء مراوح نفاثة ضخمة وتبريد قلب الاعصار بالنيتروجين وعكس أشعة الشمس نحو المكسيك وتغطية شواطئ الولاية بزيت الزيتون ( وعجزت شخصيا عن فهم فكرة الاقتراح الأخير) .. أما كلية الطقس في جامعة فلوريدا فقدمت اقتراحا يقضي بتفجير قنابل نووية لتغيير مسار الإعصار (من خلال الإخلال بتوازن الضغط حوله). في حين قدمت كلية الهندسة تصاميم لمنازل مضادة للأعاصير اقتبست من بيوت الدبابير!! .. وأنا شخصيا على ثقة بأنه من بين آلاف الأفكار المجنونة سيظهر اقتراح او اقتراحان قابلان للتطبيق (ضمن نطاق صغير ومحدود) .. وأذكر أن إحدى الشركات الكندية عرضت على الحكومة الليبية في الثمانينيات بناء برج معدني هائل الارتفاع يعمل على تكثيف السحب وتلطيف الجو حوله (حيث يرتفع الهواء الساخن تلقائيا الى أعلى البرج ويسحب بالتالي الهواء البارد والرطب الى المناطق المحيطة حوله) .. ومن الأحلام التي راودت الروس في عقد السبعينيات حمل مرايا ضخمة الى الفضاء الخارجي وعكس ضوء الشمس (طوال 24 ساعة) على مناطق محدودة من سيبيريا بغرض تدفئتها وزراعتها .. وسبق أن كتبت مقالا تحدثت فيه عن امكانية سحب بعض الجبال القطبية العذبة الى السعودية (وهو خيار تم طرحه في عهد الملك فيصل ضمن خيارات كثيرة استقرت بالنهاية على تحلية مياه البحر).. وبعد نشر المقال بفترة اطلعت (في عدد 7101 من جريدة الشرق الأوسط) على تقرير علمي يعيد طرح هذا الاقتراح وينادي بالاعتماد على الجبال القطبية العذبة لإرواء الجزيرة العربية وتلطيف الأجواء في شواطئ المدن الساحلية !! ورغم اعترافي بأن معظم هذه الأفكار تبدو خيالية وصعبة التطبيق ؛ إلا أن تنفيذها يظل أسهل وأبسط من استعادة كسرة خبز سلبتها الذبابة من زاوية فمك ..