الأمن الغذائي في خطر، هذا ما وشت به الارتفاعات المتزايدة بتسارع جنوني عامي 2007، 2008م ، والذي أرجعه الكثير من المحللين إلى ارتفاع المستوى المعيشي في دول ذات كثافة سكانية كبيرة مثل الصين والهند إضافة لاستخدام بعض المنتجات الزراعية في إنتاج الوقود الحيوي وما نتج عن ذلك من زيادة في معدلات استهلاك الغذاء العالمي، إضافة لاستخدام الأموال الساخنة في أسواق المواد الغذائية لتوليد المال من المال. هذا الخطر المقرون بالاستنزاف الكبير للثروة المائية المحلية غير المتجددة ( الزراعة تستهلك 70% من الماء ) دفع الحكومة لإطلاق حزمة قرارات في محاولة منها لمعالجة ارتفاع أسعار السلع الغذائية وكبح التضخم حيث اتخذ مجلس الوزراء عدة قرارات لبناء مخزون استراتيجي للغذاء بتوفير السلع والمواد التموينية وضبط أسعارها محلياً، ودراسة الاستثمار الزراعي والحيواني خارجياً بهدف معالجة ارتفاع أسعار السلع وتحقيق الأمن الغذائي على المديين القصير والبعيد لتخفيف العبء المعيشي على المواطنين. ولقد كانت مبادرة خادم الحرمين للاستثمار الزراعي الخارجي التي أطلقها عام 2008م من أهم القرارات على اعتبار أنها فتحت مسارا جديدا لتحقيق الأمن الغذائي إضافة لمساري الاستثمار الزراعي المحلي واستيراد المواد الغذائية المدعومة وغير المدعومة من الخارج، خاصة وأن هذا القرار مرتبط أيضا بقضية استنزاف المياه الجوفية غير المتجددة التي تعتبر مخزونا مائيا استراتيجيا يجب الاحتفاظ به للظروف الطارئة. الفريق الوزاري المشكل برئاسة وزير التجارة والصناعة و عضوية وزير الزراعة و وكلاء وزارات الخارجية والمالية والتجارة والصناعة والزراعة وما تفرع عنه من لجان توجيهية وفرق عمل فنية لمتابعة والإشراف على المبادرة اقترح تأسيس شركة تستثمر في مشاريع تستهدف تحقيق الأمن الغذائي والمساعدة في استقرار أسعار المواد الغذائية في المملكة، برأسمال يبلغ 3 مليارات ريال بمسمى «الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني»، مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، وهو ما أقره مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في تاريخ 14/4/2009م. د.العبيد وكيل وزارة الزراعة خلال حديثه للزميل محمد السعيد تأسيس الشركة أثار جدلاً واسعا دار في أوساط مجتمع الأعمال السعودي عموما والمستثمرين في القطاع الزراعي على وجه الخصوص فيما يتعلق بشراكات هذه الشركة وآليات عملها وكيفية دعمها للمستثمر الزراعي السعودي خارج البلاد وأثر ذلك على الاستثمارات الزراعية المحلية، وحول ماهية الدعم الذي ستقدمه الشركة والمعايير التي ستطبقها لتقديم هذا الدعم، وفيما إذا كانت الشركة ستتعاون مع الصندوق السعودي للتنمية في تعزيز مكانة المستثمر السعودي خارجيا وتعزيز قدراته من خلال تمويل مشروعات البنية التحتية اللازمة في مناطق المواقع المخصصة للاستثمارات السعودية في المجال الزراعي والحيواني في الدول الأخرى. وشدد الدكتور عبدالله بن عبدالله العبيد وكيل وزارة الزراعة للأبحاث عضو اللجنة الوزارية المعنية بتفعيل مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي في الخارج، على أهمية المبادرة في تأمين الغذائي للمجتمع من خلال منظومة من الإجراءات التي تضمنها القرار الوزاري. وأوضح الدكتور العبيد أن الشركة ستوجه أساساً إلى الاستثمار في الخارج كحجر الزاوية لمبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي السعودي في الخارج، وبين أن الشركة الجديدة ستستثمر في كل الدول ذات الموارد الزراعية و تتمتع بأنظمة استثمارية جاذبة تحقق الأهداف السعودية وأكد في حديثه مع "الرياض" أن الشركة سوف تعمل وفق معايير اقتصادية مجدية، وهي الآن في مرحلة التأسيس حيث تم تشكيل لجنة تأسيسية من الوزارات الأربع وهي الخارجية والمالية والتجارة والصناعة والزراعة بالمشاركة مع القطاع الخاص لاستكمال إجراءات قيامها. وبين العبيد إن الشركة الجديدة ستركز على زراعة الحبوب بما في ذلك القمح والرز وفول الصويا، إضافة لسلع الإنتاج الحيواني مثل الأغنام والأسماك ، مشيراً إلى أن اختيار المقاصد الاستثمارية سيعتمد على الحوافز المقدمة للمستثمرين الأجانب والقرب الجغرافي من السعودية والاستقرار السياسي، مبينا أن الشركة ستكون ذراعا تمويليا للمستثمرين السعوديين في الخارج، ويمكن أن تشاركهم في المشاريع لكنها لن تشغلها، بل تترك ذلك للقطاع الخاص لأن الدولة لا تتدخل في الأمور الاستثمارية. وطمأن العبيد المستثمر الزراعي المحلي بأن التوجه للاستثمار الزراعي الخارجي لا يعني إيقاف الاستثمارات الزراعية المحلية وعدم دعمها حيث أكد أن الحكومة قررت إنشاء صندوق للتنمية الزراعية بتاريخ 2/4/1429 برأس مال 20 مليار ريال قابلاً للزيادة ليحل محل البنك الزراعي وذلك بهدف تطوير وتنمية الزراعية المحلية ومساعدة المزارعين بشكل اكبر بما يحقق التكامل بين الاستثمار الزراعي الخارجي والمحلي لتحقيق الأمن الغذائي، على أن تتجه الاستثمارات الزراعية المحلية لتوفير المنتجات الزراعية التي تتناسب والبيئة الجغرافية والمناخية السعودية والتي لا تستنزف كميات كبيرة من المياه محليا، بينما يتم التوجه للاستثمار الزراعي لإنتاج ما لا يتوافق مع البيئة السعودية خصوصا الحبوب والذرة والأعلاف. من جانبه، أوضح الدكتور محمد بن سليمان الراجحي رئيس مجلس إدارة الراجحي الدولية للاستثمار والتي تستثمر حوالي 1.5 مليار ريال في مشروع توشكي والكفاءة بمصر والسودان على مساحة تتجاوز التسعين ألف هكتار أن المستثمرين السعوديين في القطاع الزراعي خارج البلاد متفائلون بما ستقدمه لهم المبادرة من دعم سياسي، مشيرا لتوجيهات مجلس الوزراء للخارجية السعودية لإعداد صياغة نموذجية لاتفاقية إطارية في شأن الاستثمارات السعودية الخارجية في المجالات الزراعية والثروة الحيوانية والسمكية تضمن توفير الحوافز والضمانات اللازمة لتلك الاستثمارات ورفعها إلى مجلس الوزراء لاستكمال الإجراءات النظامية اللازمة، مؤكدا أن مثل هذا الدعم والغطاء السياسي سيحفزنا للمزيد من الاستثمارات الخارجية عندما تكامله مع بقية أشكال الدعم والتحفيز الأخرى مثل التمويل وشراء المنتجات وتعزيز البنى التحتية في الدول المستفيدة من الاستثمارات الزراعية السعودية. وبين الراجحي أن معادلة النمو والتنمية لا يمكن أن تستقيم دون قطاع زراعي يملك مقومات القدرة على تحقيق الأمن الغذائي بمفهومه الشامل ، مؤكدا أن واقع الدعم الحكومي لا يملك أحدا سوى الاعتراف بدوره في تعزيز رصيدنا من التجربة والخبرة التي أهلت القطاع الخاص السعودي لمرحلة الاستثمار الزراعي الخارجي، فالراصد لمسيرة القطاع الزراعي السعودي يدرك أن التطورات التي شهدها في جميع مراحله كان الدعم الحكومي اللامحدود حجر الزاوية فيها , والعمل على بناء قطاع خاص زراعي يساهم في تحقيق الرؤية الإستراتيجية للزراعة كان على رأس الأولويات في كل مرحلة منه. وشدد الراجحي على أن المنطقة العربية تملك وفرة في الموارد لكنها تعاني من ثغرة حقيقية في توظيف تلك الموارد، مشيرا إلى أن الإحصاءات تؤكد بأن واقع الزراعة العربي يتطلب استثمارات تلامس سقف أل 20 مليار دولار ، وهو ما يتطلب منظومة امن غذائي شامل تدعمها الإرادة السياسية القوية كما فعلت الحكومة السعودية لكي يشعر المستثمر بالطمأنينة في قطاع تتعرض الاستثمارات فيه لمخاطر عالية نتيجة للتقلبات المناخية والأمراض الزراعية ومشاكل وعقبات النقل والتخزين فضلا عن التقلبات البيروقراطية في معظم الدول النامية، مؤكدا أن الدعم السياسي الحكومي يمثل صمام أمان لا غنى للمستثمر عنه لكنه بالمقابل لابد وان يُدعم ويُعزز من خلال تجارب استثمارية واعية تقوي موقفه , يستشعر فيها المستثمر حقيقة أن هذه المبادرة لا تمثل تجربة استثمارية منفردة وإنما مستقبل وقناعة الداخل والخارج بها وبجدوى استمرارها ولذا فان ثقافة الاستثمار المعزز بالمسؤولية والأخلاق واستلهام التجربة المحلية شرط لازم لنجاح هذه المبادرة وتعزيزها. وأختتم الراجحي حديثه مشددا على ضرورة إدراك المستثمر الزراعي السعودي بأنه شريك حقيقي في توضيح الصورة الحقيقية للمبادرة من خلال ممارسة إنسانية واحترافية عاليه تتجاوز الانتهازية والفردية لتتبنى الرؤية الحكيمة التي تنطلق منها المبادرة في التركيز على البعد الإنساني، وهو ما يستلزم صياغة شروط والتزامات تحدد طبيعة عمل هذا المستثمر ونوعية استثماره وانعكاسات استثماره في البيئة المضيفة لاستثماراته. الدكتور خالد المانع المتخصص في الاقتصاديات الدولية أكد بأن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي في الخارج لا تقف أهدافها، التي أُعلنت مؤخرا، عند تحقيق الأمن الغذائي في السعودية، بل تتجاوز أبعادها إلى المساهمة في تحقيق الأمن الغذائي على مستوى إقليمي، في منطقة الخليج والشرق الأوسط ككل، حتى أن ثمارها ستغذي الأسواق الغذائية العالمية، لتحقق بذلك أعلى معدلات الأمن الغذائي التي تتطلع له السعودية، ومنطقة الشرق الأوسط، ودول العالم بأكمله، من خلال زيادة نسبة المعروض من المنتجات الزراعية في السوق العالمية بما يحقق التوازن المطلوب بين حجم الطلب والعرض العالمي للمنتجات الغذائية، ويضمن توفرها بشكل مستدام، وبأسعار مستقرة ومتناولة. مبينا أن حكومة خادم الحرمين حرصت على استثمار الخبرات المحلية المتخصصة في الاستثمار الزراعي في المملكة والتي تراكمت عبر أكثر من ثلاث عقود من الدعم الحكومي لزيادة الاستثمارات الزراعية السعودية خارج البلاد، سعياً لتوفير المنتجات الزراعية الأساسية وغيرها لأسواق المملكة، وللأسواق العالمية. وشدد المانع على أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي الخارجي، ستسهم عند تفعيل كافة أبعادها في تعزيز الاقتصاد الوطني السعودي وتنويع مصادر الدخل عن طريق زيادة إيرادات الاستثمارات الزراعية الخارجية. آملاً بأن تحقق المبادرة أمناً غذائياً إستراتيجي. الدكتور عقيل العقيل الكاتب الاقتصادي قال أن لمبادرة خادم الحرمين الشريفين للاستثمار الزراعي بعد أنساني يجب أن تؤطره "الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والحيواني" التي أقر تأسيسها مجلس الوزراء في الدول المستهدفة للاستثمارات الزراعية السعودية بالتعاون مع شركات القطاع الخاص الناشطة استثماريا في تلك الدول، وذلك بهدف تعزيز صورة المملكة في أذهان شعوب تلك المناطق التي تشكل مجتمعاتها المجال الحيوي لبلادنا وعلينا الاستفادة منه، مع التشديد على العلاقة مع الشعوب العربية في الدول ذات المقومات الزراعية والتي تعاني من نقص الاستثمارات الأجنبية في قطاع الزراعة، مع تبيان أهمية مثل هذه الاستثمارات بالنسبة لهم وصعوبة استقطابها على اعتبار أنه القطاع الزراعي قطاع اقتصادي عالي المخاطر رغم أهميته منتجاته لكافة شعوب الأرض. وأضاف الدكتور العقيل أن كل ذو نعمة محسود، وهو ما جعل الكثير من الاستثمارات والمساعدات السعودية تفسر في أطر سلبية في كثير من الدول الفقيرة رغم أهداف هذه الاستثمارات والمساعدات النبيلة حيث أغفلنا الجوانب الإعلامية الفكرية لتأطير تلك الاستثمارات والمساعدات ما أتاح الفرصة لغير المحبين لأي سبب كان وضع الإطار السلبي الذي يريدون ما جعل كافة هذه الأعمال النبيلة تفسر ضمن هذا الإطار كأعمال سلبية رغم إيجابيتها وأهميتها لشعوب تلك الدول ما انعكس سلبا على صورة بلادنا في أذهان تلك الشعوب.