أستعيد اليوم ما كتبته أمس عن مقولة ذلك الكاتب الياباني المستعرب التي استغرب فيها أن يكون لدى المواطن العربي ذلك الانقياد الطوعي وما يشبه التأليه في مبالغات رؤيته للزعامة.. فرحاً مذهلاً عند تألق الخطاب وحزناً عميقاً عند الخروج من الحياة إلا أولئك الذين أخرجوا بعضهم مثلما حدث في العراق، في حين أن التكتلات الحزبية الموضوعية الولاء محلياً مثلما في اليابان أو أمريكا أو بريطانيا، والتي يتم داخلها التنافس في طرح أفضليات صيغ الحكم فيأتي اختيار الزعيم وهو محظوظ ليس بذاته ولكن بتوسع منهجيات فئته. إن المواطن المنتج .. بائعاً أو موظفاً أو تقنياً خبيراً أو كاتباً واعياً أو أي مهنة إيجابية أخرى هو في الواقع الزعيم الحقيقي الذي يؤدي تكاثر أصواته إلى توجيه تصرفات دولته.. هذا مفهوم.. ليس من الصعب.. بل من المستحيل أن يكون مستوعباً أو مقبولاً في العالم العربي، وقد نتجت عن ذلك متابعات مأساوية مريرة بعضها هلل له المواطن على أنه انتصار شعبي يتحقق له.. دعونا نتصور مصير الأسر المالكة في كل من مصر والعراق وليبيا مثلاً.. أولاً ما هي نوعية سلوكيات تلك الأسر..؟ لم نتداول رصداً تاريخياً يقول إن أولئك تسببوا في فقر تلك الأسرة أو غيرها، أو اعتمدوا نهب حقوق الغير.. الأسرة المالكة في العراق كانت أقرب إلى الفقر في معظم أفرادها ولم يرو عن الملك فيصل الثاني وهو مراهق وقتها أي تجاوزات ولو بسيطة بمثل ما فعل أبناء صدام حسين.. ومن خلال ما كتب عن ذلك العهد لم يصل وطن عربي ببرلمانه حتى الوقت الحاضر إلى مستوى الوضوح وحرية التحدث التي كانت متوفرة آنذاك، وكانت النتيجة الأقسى هي القتل الجماعي ثم التشريد.. الأسرة المالكة في مصر شحنت خلفها ادعاءات اتهام كثيرة لكن لم تسفر الحقائق فيما بعد عن أي شواهد مصداقية، ربما أخطأ عدد لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، أما الأسرة كاملة فكانت أقرب إلى الحياة العادية تماماً ومع ذلك فقد شردوا فقراء في أوروبا وأمريكا.. ومن يقرأ ما كتب عن نازلي أو أحفادها الذين اضطروا إلى تغيير أسمائهم، والأميرة التي عملت منظفة في حديقة.. سيجد أوضاعاً مأساوية عاشها من لم يسيئوا إلى أحد.. بل إن لأجدادهم حسنات كثيرة في تطوير التعليم والحياة الحزبية وكسر هيمنة المماليك.. ويسجل الكثير من التقدير لفخامة الرئيس حسني مبارك، الذي جعلت موضوعيته مكتبات القاهرة تمتلئ بكتب دراسات اعتنت جيداً بمرحلة ما قبل عام 1952.. خصوصاً الشخصيات السياسية المرموقة آنذاك.. ولا أتصور أن هناك من حكم بمثل البساطة التي كانت عليها عائلة السنوسي في ليبيا.. هذه العائلة كان عميدها.. الملك وقتها وحيداً مع زوجته دون أبناء وعندما أبعد عن الحكم قضى الرجل حياته متنقلاً بين مصر التي أقام بها ومكة التي يذهب للتعبد فيها.. ومارس حكماً في غاية البساطة لكن طابع التشهير بأي حكم سابق جعله يحظى وأسرته بعنف المطاردة وحياة الرصيف البائسة.