تتسع الفجوات والفوارق بين عالم متقدم، وآخر يعيش أسطورة الفناء المدمر سواء بانتشار الصراعات الداخلية وفتح معابر العداوات مع العالم الخارجي ، أو صرف المداخيل على التسلح وشراء ذمم الضباط ورجال الأمن والتي تأتي على حساب التنمية الوطنية والقومية.. الغرب أنشأ مصانع الأسلحة ودخل في حربين عالميتين وطور قدراته العسكرية بالأسلحة النووية ، وكانت الغاية هي توسيع دوائر نفوذه بالهيمنة على دول الثروات الطبيعية، وحتى عندما انقسم العالم بين شرق شيوعي ، وغرب أوروبي - أمريكي وتطورت الأوضاع إلى سياسة "حافة الهاوية" و"التدمير المتبادل"، فإن ذلك كان حرباً نفسية أكثر من استخدام هذه الأسلحة لأن الدمار سيكون شاملاً لكل كوكب الأرض وعوالمه.. في قمة الثماني دعت هذه الدول إلى تقليص إنتاج أسلحة الدمار الشامل ومنع مَن يسعى إليها، وقد تزامن مع هذه القمة أو سبقها اتفاق أمريكي - روسي على تخفيض ترسانتهما النووية ، باتفاق ثنائي ، لما قد يصل إلى الثلث، وهو تطور لا يراعي فقط تقليص الإنفاق على تخزين وتطوير هذه الأسلحة، وإنما توفير المبالغ الهائلة المصروفة عليها، ثم الإدراك أن مقومات القوة باتت تتجه إلى الاستثمارات في قنوات المعارف وميادين العلوم الاقتصادية والإنسان، وتطوير آليات الابتكار والاكتشاف للحاجات الملحة مثل الطاقة، وتلوث الفضاء، والأزمة المالية الراهنة، بينما دول العالم الثالث تريد أن تبدأ من حيث انتهى العالم المتقدم.. فهي لا تواجه احتياجاتها الأساسية بتطوير مواردها الداخلية لتتجه إلى تنمية بشرية تستطيع دخول سوق الإنتاج والابتكار والتقدم العلمي للمنافسة على مستقبل أصبح يفرز دول حزام الفقر، مع الدول الغنية ، والموضوع لا يتعلق فقط بالإمكانات الداخلية من مياه ومعادن وثروات أخرى، بل بالاتجاه للإنسان كقيمة مطلقة لأساسيات التقدم، حيث هو مصدر الثروات وقيمتها.. فالغرب الذي يريد أن يلغي شروط الحروب العسكرية عرف بحسه المتطور نتائجها القاتلة ، ولعل تجربة أمريكا في العراق وأفغانستان أحد معالم تغير تلك الفلسفة لأن كثافة النيران والقدرة على الاحتلال بقوة متطورة تلغيهما ردة الفعل لأي شعب محتل، ومن هنا جاء الاتجاه لتخفيض ميزانيات التسلح وتقليص الموجود، ثم إن الدافع الآخر جاء من تعدد الأقطاب مثل دخول الصين والهند، والبرازيل ليس فقط لدخول سباق التسلح، وإنما الاتجاه للتنمية بما في ذلك الاتجاه لرفع مستويات الدول النامية ممن تقع داخل خط الفقر مثل دول أفريقيا ودول جنوب أمريكا، وآسيا، لأن خلق فرص جديدة ورفع مستويات تلك الشعوب يعنيان تخفيض نسب الهجرة والحروب، ويأتي هذا كبديل لإغراقها في بيع الأسلحة أو القروض بشروط باهظة يفرضها البنك والصندوق الدوليان.. مظاهر اتفاق تلك القمة تتجه إلى صنع سلام عالمي، لكنه مناف تماماً لكثير من دول العالم الثالث المتجهة للتسلح والغارقة في التخلف والديون..