عندما يعجز الإنسان عن الارتقاء إلى لغة الحوار العلمية ويفتقد إلى الحجة، فإنه يحاول جرّ الطرف الآخر إلى أسفل.. أي إلى المستوى الهابط من الأفكار والألفاظ والتجريح الشخصي. هذا ما يفعله بعض الذين يتصلون بالقنوات الفضائية للمشاركة في الحوار في البرامج التي تبث على الهواء مباشرة، تجد أحدهم يبدأ المشاركة في الحديث بطريقة إيجابية كتمهيد وفجأة يفجر قنبلة كلامية بذيئة ساقطة يتهجم بها على الشخص الذي يستضيفه البرنامج التلفزيوني. يعتقد صاحب المداخلة البذيئة أنه انتصر وربما كان حوله من يصفق له، وربما كان سلوكه في إطار التحدي والخروج عن المألوف أو الخروج عن النص كما يفعل من يقتحم ملعب كرة القدم من الجمهور. مهما كان السبب فإن هذا لا يبرر مثل هذه التصرفات بيد أن هذه التصرفات تبرر للمتخصص في التربية أن يتوقف ويتأمل ويدرس ويبحث عن الأسباب والحلول. من أهم الأسباب في نظري عدم تعود البعض على لغة الحوار والاستماع إلى الرأي الآخر. ولو راجعنا أساليبنا التربوية في المدارس والمنازل، فلن يكون مفاجئاً لنا أن نلاحظ لغة الإملاء وتحويل الطالب إلى مستمع صامت يتلقى المعلومات والتعليمات والأوامر وينفذ دون أن يناقش ويستفسر. يتم تخزين عقل الطالب بأفكار ومعلومات معلبة غير قابلة للفتح إلا لكي تستقبل المزيد من تلك الأفكار والمعلومات لكنها لا تقدم شيئاً فهي تأخذ ولا تعطي. من هنا يتعلم الطالب أسلوب الإملاء وعدم قبول أي رأي يختلف مع رأيه أو فكرة تتعارض مع فكرته. يتعود أن يلقي على الآخرين وينتظر موافقتهم مثلما كان يتلقى من الآخرين ( المعلم، الأب، المدير). الطالب لا يتعود في المدرسة على مقارعة الحجة بالحجة وهو ما يسمى بالنقاش الموضوعي، وهو يسمع الكبار يخرجون عن الموضوع إلى مخارج شخصية فيسمع أحدهم يقول للآخر ( أنت لا تفهم ) فيرد هذا المتهم بعدم الفهم بعبارة أقسى! إن التربية والتعليم هما الحل، وقد وجدت في ورقة سمو الأمير فيصل بن عبد الله وزير التربية والتعليم التي قدمها أمام لقاء مدربي الحوار الذي نظمه مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وجدت في هذه الورقة رسائل ومؤشرات مهمة تعبر عن توجهات تربوية قادمة نأمل أن ترى النور ومن ذلك قوله في تلك الورقة: " أن هناك علاقة تكاملية بين البيت والمعلم والمدرسة، إن التلقين انتهى وقته في المدرسة، ففي هذا العصر لابد من التفكير العقلاني فأسلوب الحوار هو أنجح الأساليب وأن التربية مهمة وقد قُدّمت على التعليم. وأكّد سمو الأمير أن الوزارة سوف تركز على المعلم المؤهل المؤمن برسالته والقدوة الحسنة لتلاميذه الذي يستمع إليهم ويحاورهم ويستشيرهم ويشجعهم على أن يعبّروا عن ذواتهم وأضع خطاً ملوّناً تحت كلمة " يستشيرهم" فإذا وجد المعلم الذي يستشير الطالب فإننا على موعد مع طالب يثق بنفسه ويملك القدرة على التعبير والحوار واحترام اختلاف الآراء، والقدرة على التفكير النقدي الموضوعي بعيداً عن شخصنة الموضوع وتوجيه السهام إلى صاحب الرأي الآخر.. التحدي القادم هو بناء الشخصية.