في الثلاثين من حزيران يونيو الماضي، فاز تحالف من شركتي "برتش بتروليوم"، وشركة النفط الوطنية الصينية (إن بي سي)، بمناقصة لتطوير حقل الرميلة النفطي، الذي يعد من أكبر حقول النفط في العراق، والذي يُقدر حجم احتياطياته بنحو 17 مليار برميل. وحسب وزارة النفط العراقية، فإن إنتاج حقل الرميلة، الجنوبي والشمالي، يصل حالياً إلى 956 ألف برميل. وتهدف الخطة الاستثمارية إلى إضافة مليون برميل يومياً إلى إنتاج الحقل، ليحصل العراق على مدى 20 عاماً على 11 ملياراً و714 مليون برميل، منها 7 مليارات و718 مليون برميل نفط إضافي. وكان تحالف آخر، تقوده اكسون موبيل، وتشارك فيه بتروناس الماليزية، قد تقدم بعرض لتطوير حقل الرميلة ذاته، إلا أنه رفض الحد الأقصى لرسم الخدمة على برميل النفط، الذي اقترحه العراق، ليمنح تحالف برتش بتروليوم فرصة الفوز به. فقد قبل هذا الأخير رسماً يبلغ دولارين عن كل برميل نفط إضافي يتم إنتاجه، مقارنة مع رسم يبلغ 3.99 دولارات في عرضهما الأول. وقد جرت ترسية مناقصة حقل الرميلة في إطار جولة التراخيص الأولى، التي طرحها العراق لتقديم عطاءات لاستثمار ستة حقول نفطية وحقلين غازيين. وقد فشلت هذه الجولة في جذب شركات لتطوير حقل كبير آخر في كركوك، وحقول أصغر، هي ميسان وباي حسن والزبير، بعدما رفضت تحالفات تقودها شركات صينية وايطالية وبريطانية وأميركية الشروط السعرية الخاصة بها. وقدم تحالف تقوده شركة شل العرض الوحيد بشأن حقل كركوك، وطلب رسماً يبلغ 7.89 دولارات عن كل برميل نفط إضافي، في حين تمسكت الحكومة العراقية بعرض الدولارين. وطلبت وزارة النفط العراقية من الشركات الأجنبية تقديم عروض معدلة في نهاية الجولة. وقد تقدمت سبع منها بعروض، إلا أنه لم يُعلن عن تفاصيلها. وتعد جولة العروض هذه خطوة أساسية على طريق خطة العراق لزيادة إنتاجه إلى ستة ملايين برميل يومياً، خلال خمس سنوات، من حوالي 2.4 مليون برميل يومياً في الوقت الراهن. وكان قد تم تأهيل 35 شركة ضمن جولة التراخيص الأولى، من بين 120 شركة نفط أجنبية تقدمت للاستثمار في العراق. وقالت بغداد إن أرباح البلاد ستصل، في حال وقعت عقود تراخيص النفط مع الشركات الأجنبية، الى1700 مليار دولار، على مدى العشرين سنة المقبلة. وستكون هناك جولات تراخيص ثانية وثالثة، وربما رابعة، سوف تعلن خلال العام. وتبلغ احتياطات العراق النفطية 115 مليار برميل، وهي ثالث أكبر احتياطيات في العالم. ومنذ البدء، رأى البعض أن احتمالات نجاح جولة التراخيص الأولى، التي جرت في الثلاثين من حزيران يونيو الماضي، كانت ضئيلة في الأصل، وذلك لأسباب تتعلق بطبيعة الحقول المعنية. كما رأى هؤلاء أن التشابك في جولات التراخيص يقلل من فرص التنافس، ويؤخر اتخاذ القرار المطلوب. وقد منحت بغداد التراخيص الأولى لشركات نفطية كبرى، إلا أن هذه الشركات لا تزال في دوامة معرفة التفاصيل الفنية والقانونية والمالية. وهي قدمت مئات الأسئلة لوزارة النفط العراقية للاستيضاح، كما أن لقاء اسطنبول، الذي عقد لهذا الغرض، لم يحقق الغاية المطلوبة. وقد أدت الظروف الأمنية الصعبة التي شهدها العراق، بسبب مجموعات العنف السياسي، إلى تدهور قطاعه النفطي، حيث تراجع الإنتاج وعطبت الكثير من المعدات والأنابيب، وتدنت كفاءة الآبار المنتجة، كما لم يجر تخصيص الاستثمارات اللازمة لمعالجة المشكلات الناشئة. ولم يتجاوز ما تم تخصيصه محلياً لهذا الغرض، خلال السنوات الست الماضية، الثمانية مليارات دولار، في الوقت الذي قدرت الحاجة الفعلية بخمسين مليار دولار. واستناداً إلى بعض التقديرات، فإن التأخير في برامج إصلاح القطاع النفطي كلف العراق خسارة تقارب الثلاثين مليار دولار. ويرى البعض بأن هناك رغبة لدى الشركات العالمية بالاستثمار في قطاع النفط العراقي، وربما اتخذت بعض هذه الشركات قراراً بذلك مع وقف التنفيذ، ريثما تتضح الأمور. وينظر إلى غياب الإطار القانوني وعدم توافق القوى المحلية على رؤية معينة للاستثمار، على أنها مؤثرات سلبية تحد من إقبال هذه الشركات. هذا فضلاً عن طبيعة العروض الحكومية، التي بدت متحفظة، كما اتضح من جولة التراخيص الأولى. وعلى الرغم من ذلك، لا يستقيم القول بأن العروض التي يطرحها العراق حالياً على شركات النفط الأجنبية لا تنسجم ومصالحه الوطنية العليا. وليس من الحكمة القول إن على العراق تطوير قطاعه النفطي استناداً إلى قدراته المحلية، أو إلى قوانين قريبة من نظام التأميم. ذلك أن تطوير هذا القطاع بحاجة لعشرات مليارات الدولارات، في أقل التقديرات.وإذا كانت الحكومة العراقية قادرة على توفير مثل هذه المبالغ، فالأحرى بها توجيهها نحو إعادة تأهيل البنية التحتية الوطنية، من ماء وكهرباء وصحة وتعليم وإسكان، وغيرها من القطاعات. والبنية التحتية العامة في العراق، كما هو معروف، تشهد واقعاً صعباً، بسبب عقود من الإهمال والحروب العبثية، وضياع فرص التنمية. وإضافة إلى مخزونه النفطي، يحتل العراق المرتبة العاشرة عالمياً على مستوى احتياطات الغاز، حيث يصل مخزونه المثبت إلى 3,17 تريليونات متر مكعب.وهناك في العراق اليوم من يدعو لاعتماد النموذج السعودي في التعامل مع الثروة الغازية، وتوجيهها نحو الصناعة المحلية. فعلى الرغم من احتلال المملكة العربية السعودية المرتبة الرابعة عالمياً من حيث احتياطات الغاز، فإنها لا تعتبر من الدول المصدرة له، حيث كرست أولوياتها لرفد صناعة البتروكيماويات، وباتت مؤسسة سابك تنتج أكثر من 75 مليون طن سنوياً من صنوف المواد البتروكيماوية ،كما أدت مشاريع حقن الغاز إلى زيادة الإنتاج النفطي إلى عشرة ملايين برميل يومياً، مع إمكانية الصعود إلى أكثر من 12 مليون برميل. وبوجه عام، على العراق أن يدرس بعناية تجربة دول المنطقة، التي وجد البعض منها نفسه مضطراً لاستيراد الغاز، بعدما ارتبط بعقود طويلة الأجل مع شركات أجنبية لتسييل الوقود الأزرق وتصديره. وبطبيعة الحال، فإن نموذج التصدير يمكن اعتماده لو كان لدولة ما مخزون يفوق حاجة السوق المحلي، على مستوى الخدمات، والطاقة الكهربائية العامة، والخطط الصناعية المعتمدة. وبالنسبة للعراق، هناك خيارات عدة على مستوى تصدير الوقود الأزرق، في حال اعتمدت مقاربة بهذا الخصوص في وقت ما، إذ يمكن تصدير هذا الوقود إلى دول الخليج وتركيا، فضلاً عن أوروبا.