تقلق .. يستوي الفراغ في داخلك .. تنحاز فجأة إلى اللحظة اللاشيء .. تتعامل معها بإخلاص . تقلق فتشعر أنك مقيّد ... وغير قادر على فصل شيء .. تُحرم من الإحساس الصريح ..... من المشاكسة مع تفاصيل تفكيرك الاعتيادي ... من نعمة اليقين التي اعتدت أن تتعايش معها , وتتشكل بها مفردات حياتك . نعمة الصراخ أحياناً لا تضاهيها نعمة .. لكنك تجد نفسك محروما منها وغير قادر على ممارستها .. يختفي صوتك حتى الاعتيادي .. تشعر أن لا صوت لك خارج نطاق القلق . وأن عينك التي كثيراً ما تركزت على ما حولك .. أصبحت غير قادرة على معرفة ما يجري .. أو تفسير الصور التي تُعرض كل لحظة . أنت لست منحازاً إلى قلقك كما يدعي أحد أصدقائك . لكنك منحاز إلى إنسانيتك .. إلى كينونتك كإنسان بالدرجة الأولى . وأنت لست مضطراً لمعايشة الوقوف على الهامش . ولست مدمناً اعتياد العتمة . ولست إنساناً عاشقاً لفقد الإحساس . وليست مشاعرك غائبة حتى إنها لم تعد قابلة للتأثر بشيء . فقط أنت قلق . قلق جداً .. تغرد داخل سرب القلق . تتآمر معه ليسكنك . تشعر في هذه اللحظة بالذات أن عالمك لا يقوم إلا به .. وأن لا منبر حياة على الأرض في هذه اللحظة سوى منابر القلق . وأن من لا يكون في لحظة قلقك معك هو شخص بارد ورديء المشاعر ... وبطيء الإحساس . إحساس بالقلق يرتد داخلك كلما حاولت مغادرته . تعلو وتيرته ولا تهبط .. مهما حاولت أن تتعامل معه بنفاذ بصيرة . تقلق فتنشأ داخلك مساحة كافية من الفراغ ومن عدم الإحساس بشيء لا تخضع عندما تقلق لأي اعتبارات تدور حولك . أو تسارع للذهاب إلى تلك المخيلة المليئة بكنوز الحياة . تقلق .. فتتملكك لحظة تتسع في رؤيتها لرفض كل الأشياء . لحظة ترفض كل تطويع لها . لحظة يصبح احتواء الغمام هو الأصل فيها . لحظة تقف على أعتابها عرائض الرفض وصكوك إعلان المواقف التي ترفض المفاضلة بين الشك واليقين . وتكتمل مع كل صكوك الحيرة .. والتعثر .. والأزمات وحدود التقاطع التي تبعد عن الاستيعاب . قلق يجعل كل العالم حولك متوهجاً بسكون .. مليئاً بكل تناقضات الحياة .. ونصوص الأثر الغائب . تقلق وهذا هو إحساسك هذه اللحظة .. الذي لا يمكن أن تغادره أو تحول لغة فهمك له إلى رموز بمفردات نصية جديدة . إنه القلق بسلطته المهيمنة عليك .. وأحادية إقصائه المشاهد التي أمامه .