أزمة الانقطاع بالكهرباء ليست مشكلة سهلة يحمل مسؤولياتها العاملون بالوزارة أو من لهم صلة بالإدارة الإدارية والفنية، لأن الأحمال فوق طاقة المنتج، وبالتالي إذا لم يتغير السلوك عند المواطن بالاستهلاك، فلن نستطيع ترشيد الطاقة، والمسؤولية مشتركة، لا يُعفى منها أصحاب الشركات والوزارات والأسواق والعمارات الشاهقة، ولا صاحب المنزل الصغير أو الدكان العادي.. فلو أغلق كل منا ثلاثة أرباع مصابيح سور فلته أو غرفه أو صالاته الداخلية، وخفف من تشغيل المكيفات، وقامت البلديات بإطفاء نصف أنوار الشوارع، والمساجد وحوّلنا العمل في الأجهزة الحكومية، إما بتقديم الدوام إلى الصباح الباكر، والخروج ما قبل ذروة الاستهلاك وتصاعد الحرارة، وكذلك المدارس والجامعات، أو حوّلنا العمل والامتحانات إلى الدوام المسائي، فإننا قد نوفر العديد من الطاقة المهدرة، وجعْلها تتجه للحاجات الضرورية.. أما الأسواق التي لا تتصل ببضائع الاحتياجات اليومية، فيمكن اعتماد فتحها لما بعد العصر، وحتى منتصف الليل، والعمل على رفع فواتير المحلات التي تستهلك أكثر من ضروراتها، وخاصة تلك التي تجني مكاسب هائلة مثل محلات الذهب والعطور، والساعات، والأسواق المركزية وغيرها.. موضوع الترف الزائد، في الاستهلاك غير المنضبط، أو من لا تهمهم أرقام فواتير الاستهلاك من أصحاب القصور والاستراحات وملاعب الأندية، هم جزء من عبء على الاقتصاد الوطني، وغير مؤتمنين على حقوق من يعيشون حالات انقطاع التيار، وحالات المعاناة في صيف ملتهب.. في الحرب العالمية التزم البريطاني بتناول بيضة واحدة في اليوم تبعاً للأزمة الاقتصادية، ووقف أكثر من مائة ألف مشاهد لكرة القدم في ألمانيا عن الخروج من الملعب عندما أعلنت الإذاعة الداخلية وجود ضيوف للدولة لا بد من ذهابهم للمطار حتى لا تقلع طائرتهم.. وفي اليابان أضرب العمال احتجاجاً على الأجور، ولكنهم، بعد المهلة، التزموا بزيادة ساعات العمل والقيام بتنظيف الشوارع من المخلفات حتى لا يتأثر الاقتصاد الوطني، وأعتقد أن الإنسان عندنا وعندهم هو واحد فقط ما يتميزون به أن الوطنية لديهم عطاء ثابت ، والتزام بالمصلحة العامة ولا نعتقد أن القضية تحتاج إلى مرشدين كي نلتزم بأخلاقيات المواطنة، التي يجب أن تعلو على الإهمال وقلة الاكتراث واللذين يصلان إلى حد الأنانية بمبدأ "ومن بعدي الطوفان"!. نعرف أن بناء محطة للكهرباء وما يلحقها من تمديدات وتشغيل يحتاج إلى سنوات طويلة حتى يتم تركيبها وعملها، والموضوع لا يتصل بقلة اعتمادات مالية، وإنما بعوامل الوقت التي لا تساعد المخططين والعاملين، ولعل ظروف المناخ وطاقات الاستهلاك ومضاعفات السكان والتوسع العمراني أسباب جوهرية، ومع ذلك لا يمكن تحويل المسؤولية إلى إجراء إداري ما لم نكن شركاء عمل، ولا نعتقد أن تخفيف الاستهلاك ومراقبته من قبل أصحاب المنازل والمحلات سوف يؤديان إلى نقص في الطاقة، لأن الالتزام بالترشيد هو حق وطني لكل مواطن..