يعد السفر بالطائرة الطريقة الأسهل والأقصر للوصول إلى أي مكان بالعالم، لكن الوضع يختلف تماما لدى فئة من الناس ممن يرون في الطائرة التحدي الأصعب للتنقل والسفر سواء للعمل أو للسياحة، بل قد يقع البعض أحيانا في مواقف محرجة ومخيفة. فمثلاً كان هناك رجل ينتظر رحلته في إحدى المطارات السعودية، وأثناء انتظاره تفاجأ بأحد أصدقائه وهو ينطلق إليه سعيدا بمقابلته، و تبين أن زميله كان قد كلف بالإشراف على سفر عائلته بينما سيسافر هو براً، ففرح الصديق لأنه وجد من ينوبه في الإشراف.. كثرت الأسئلة وزادت حيرة الشخص بعد طلب صديقه وراودته الشكوك بأن هناك مشكلة كبيرة، وبعد تقصى الحقائق عن ذلك الشخص اكتشف أنه لم ولن يسافر جواً منذ أن ولد بسبب معاناته من "فوبيا الطيران" أو الخوف من السفر بالطائرة. دراسة أُجريت في الولاياتالمتحدة كشفت أن هناك 10% من المواطنين الأمريكيين، أي حوالي 30مليون شخص لم يسافروا على متن الطائرة إطلاقاً برغم حاجتهم، كما بينت الدراسة بأن هناك 20% من الأمريكيين لا يركبون الطائرة إلا إذا تناولوا أدوية مُهدئة ليتغلبوا على خوفهم من السفر بالطائرة. أي أن هناك ما يُقارب 30% من الأمريكيين لديهم رُهاب أو خوف من السفر بالطائرة. هؤلاء الأشخاص هم محطّ أنظار شركات الطيران لأنهم يُشكّلون نسبة كبيرة ممن يمكن أن يُستفاد منهم كمسافرين على شركات الطيران الأمريكية وقد تم عقد مؤتمر عن الخوف من السفر في الطائرة في كندا لكي يُساعدوا من يعاني من هذه الحالة. يقول الدكتور طاهر شلتوت استشاري الطب النفسي عن الفوبيا إنها مرض نفسي شهير، موضحاً أن المخاوف النفسية تنقسم إلى عدة أنواع منها المخاوف الاجتماعية، والمخاوف من الأماكن المرتفعة أو المعلقة، ويأتي الخوف من ركوب الطائرات كأحد أنواع هذه المخاوف التي تتميز بأنها غير مبررة ولا يستطيع الإنسان أن يجد لها تفسيراً واضحاً وإنما يشعر بخوف عند اقترابه من مكان الصعود للطائرة، وتصاحب ذلك علامات جسدية مثل زيادة ضربات القلب وزيادة إفرازات العرق، كما يسيطر على الشخص الخائف شعور بأنه غير قادر على تحمل هذا الموقف، مما يدفعه إلى الابتعاد وتجنب المواقف التي قد تدفعه إلى السفر وقد يزداد الوضع سوءًا بحيث يمتنع صاحب هذا الشعور عن السفر كلياً. وحول أسباب هذا الخوف المرضي يقول د. شلتوت أن هناك عدة نظريات تفسر الخوف بشكل عام فهناك أصحاب النظرية العضوية الذين يعتقدون أن الخوف يحدث بسبب نقص في مادة كيميائية بالدماغ تسمى الناقلات العصبية الكيميائية، ولكن هناك تفسيرات أخرى مثل النظرية السلوكية التي تؤكد أن هذه المخاوف نشأت نتيجة ارتباطات خاصة في حياة الإنسان في فترة ما، فعلى سبيل المثال في نموذج المخاوف المرضية من ركوب الطائرة قد يكون صاحبها تعرض لأي موقف مثير ومخيف في فترة من حياته وارتبط هذا الموقف بشكل أو بآخر بركوب الطائرة وبالتالي انسحب خوفه من الشيء الأصلي نحو الطائرة بشكل عام. وعما يشعر به الخائف عند ركوب الطائرة يقول الدكتورشلتوت إن المريض يشعر بأنه لن يستطيع دخول حيز الطائرة، و إذا دخلها وبدأت الطائرة تتحرك به قد يواجه صعوبة في التنفس و سرعة في دقات القلب وقد يشعر الشخص وكأن قلبه سيتوقف ويسيطر عليه إحساس بأنه إذا حدث ذلك فلن تكون هناك وسيلة متوافرة لإسعافه، لذا من الممكن أن يتحول الخوف إلى حالة ذعر شديدة، الأمر الذي يمكن أن يعوق حركة الإقلاع ولكن نؤكد للذين يعانون من هذا الشعور أنه لا يستمر سوى مدة زمنية تتراوح بين 15 و30 دقيقة يعود بعدها الشخص إلى طبيعته. و حول سبل العلاج من هذه الحالة المرضية قال د. شلتوت إن الوسائل تتعدد مع تعدد الأسباب طبقاً للنظرية المتبعة، فأصحاب النظرية العضوية من الأطباء النفسيين يستخدمون بعضاً من الأدوية المضادة للاكتئاب والقلق التي تعمل بشكل محدد على الموصلات الكيميائية فتزيد من تركيزها بالدماغ وتعيد إليه توازنه الطبيعي، وبالتالي تعود الأمور إلى طبيعتها بينما توجد وسائل أخرى تندرج تحت عنوان العلاج السلوكي الذي ينقسم إلى طريقتين الأولى تسمى وسيلة الإغراق أو الفيضان وتعتمد على ضرورة أن يواجه المريض خوفه بشكل كامل حتى تمر الفترة الزمنية الحرجة للخوف التي لا تتعدى نصف الساعة على أكثر تقدير، وهنا يساعد الطبيب مريضه بعمل هذه التجارب بالتخيل أو بواسطة أفلام معدة لذلك أو عن طريق الممارسة الحقيقية لهذا الموقف ولكن ينصح أن يكون مع الشخص أحد المرافقين لدعم موقف الخوف خلال مرحلة تحمله للقلق.