هي إعادة وتكرار، وتكرار بعد إعادة لموضوع لست أول من كتب فيه ولن أصبح الأخيرة مادام الوضع قائماً على ماهو عليه يفرز شخصيات مشوهة جديدة، ويستنسخ فساداً معتقدياً مدة صلاحيته مفتوحة حتى وهو يسمم عقولاً، ويصيب القلوب بتلبك، ونحن في كل مرة نكتب، نحاول صنع مادة نجري بها غسيل معدة لأحاسيسنا حين صعب تلقيها أو هضمها للفكرة. للأسف ثمة من كتب بلسان السخرية والتهكم بمن ساروا بهذا الطريق، وهو لايعلم أنه يزيد بذلك الطين بلة. لانبرئ أحداً فالشذوذ الجنسي خطأ أكيد دون تفكير طويل أو ريبة بحكم وتقويم العقول حتى عند ممثليه ومؤيديه والمتعاملين معه، ولكنه بحاجة لوقفة جادة وصادقة هدفها الأول والأخير انتشال غرقى استجاروا من الرمضاء بالنار. الكل ولد على الفطرة السليمة لن نختلف في ذلك، فالنص الشرعي واضح في قول المصطفى (صلىالله عليه وسلم): «ما من مولود يولد إلا يولد على الفطرة...» أو كما قال، الحديث، بيد أن المفارقات في الموضوع تخضع لمحاور كثيرة، وتفسير وتحليل لميل أبناء الجنس الواحد لنفس جنسهم، وإحاطتهم بالرعاية والاهتمام، ونظرات وعبارات، وتصرفات دالة على إعجاب قد يصل إلى الهيام والعشق، ولانزكي احداً، فنكذب ونظلم ونخص الفتيات بالذكر ونترك الشباب في موضوع «العاطفة المثلية»، ولايصلح الشرع «النعامي» في دس الرأس في التراب والإنكار، فندعي أن الوضع لايعنينا، وبالمقابل لا للتخصيص لبقعة على وجه الأرض دون غيرها واتهام ناسها واعتبارهم الطائفة المعلولة والمصابة، لأن الحال عامة وشاملة غير أننا سنحدد أسبابنا نحن، ونقيسها ونذكرها بتعداد يرتب السرد، ويقلل التخبط الذي هو طابع ومنهاج تلك الفكرة برمتها، فباعتقادي: 1- «مفاجأة»: فالسبب قد يكون تربية صارمة وملتزمة ومتشددة ومحافظة حد الفصل الكامل للفتاة أو الصبي ورفض التعرف لعالم الجنس الآخر يترهيب وتخويف وتحذير، وعزل تام يصور الرجل كما «عواء الذئب» المرافق للأطروحات التي تخاطب الفتيات وتنصحهن!، ولأنه بطبيعة الحال العاطفة تنشأ داخل الجميع والتعبير عنها وارد، فلو كان الانشغال بذكر فضائل صونها وتأجيلها إلى حين حلول حزتها ووقتها بأسلوب يصور الصبر عبادة وطاعة، وتميز إيماني يحبب العفة فيها، لما انصرفت لمن حولها ممن تستحسنه العين، أو يحترمه ويعجب به القلب، لاسيما أن ثمة أهل لايسمحون للأبناء حتى بالكتابة أو الحوار أو أي شيء ينفس به. 2- قلة ثقة في النفس قد تكونها الأسباب آنفة الذكر، أو تحبيط وتقريع ممن حولهما، أو لامبالاة بهما، أو استهزاء وسخرية فيبحثان عن «المكانة» خارج هذا البيت. 3- الحاجة للحب والتقبل والحنان والعطف والاحتواء إن لم تشبع داخل أسوار منزل يضم التصحر والجفاف والقسوة، أو حتى الدلال الزائد بلا دفء ستقود الشابة والشاب للبحث عن البديل الذي يعوض تلك الغرائز والاحتياجات الأساسية، وأيضاً التعرض لتحرش جنسي بالطفولة لم يفصح عنه فيعالج قد يكون سبب ونكبة. 4- تقليد جماعة سارت في هذا الدرب وحققت متعة زائفة ظاهرها العسل وباطنها سم زعاف لا يسعف المحبط والمعتل الشعور ليميزه. 5- الكل يقبل على المديح ويتمنى أن يجد من يصبحه ويمسيه بالإطراء وكلمات وعبارات العاطفة وهذا ما توفره تلك العلاقات الشاذة. 6- الرغبة في الشعور بالحرص ولحد التدخل في خصوصيات الحياة كترجمة للخوف والاهتمام، والتملك أحياناً، وفي حال غياب الرقيب والحسيب يغدو مكسباً مشاعرياً. 7- غياب دور الأم تحديداً كمصدر حنان وملجأ للحزن والآهات في مراحل متقدمة من المراهقة وما بعدها. 8- التأثير السحري للكلمات المعسولة والغزلية في أذن صبية هشة معنوياً، وشاب مهمش عائلياً. 9- تأخر سن الزواج لكلا الجنسين وبالتالي التشبع بالحرمان وغياب المناخ الأصلي لإفراغ المشاعر، مع عدم القدرة على «الباءة» والذي لا يمكن أن يصام عوضاً عنه كل الوقت ليكن الصوم لهم «وجاء». 10- الزواج بلا زواج أي مع انعدام المودة والرحمة، أو العواطف والمشاعر الجميلة بين ثنائي يعيشان سوياً لأداء دور مجتمعي ومعيشي لا أكثر، وربما أقل من ذلك مع طلاق بيتي، أو عدم توافق لا حل فيه لأجل «البرستيج» والمحافظة على سمعه أو مظهرية، أو لخاطر عيال. .. ذكرت بعض الأسباب وفي جعبة أوضاعنا دليل الإثبات ويزيد، وهذا شرح لحكيم ومنصف بدل التفرج والنميمة والانتقاد يود أن يشارك في الحل ويكلف نفسه بحث الأسباب ومعالجتها من الجذور. وأذكر سؤالاً وجهته لمعلمتي زمن المدرسة، فقلت: لماذا تمنعون الطالبة أن تقطف من حديقة منزلها، أو تشتري وردة لتقدمها لمعلمتها كتعبير عن الحب ودليل على أن هذه المدرسة تملك تصرفاً مهنياً قربها من القلوب؟ فحمرت معلمتي نظرة عينيها وقالت: لأنه أول الخير يا مها، وتذكريني كبيرة، سيتطور الموضوع إلى أن يصبح شبيهاً بالعشق!. ودارت الأزمان وتحقق حدس معلمتي ولكني كمختصة اليوم أعزو جزءاً من المسئولية لأسلوب القمع والبتر، فشعور الصغيرة لو تبنته مشاعر تربوية لطوعت هذه العاطفة، ووجهت سلوكها للارتقاء العلمي والخلقي. فالقلوب أقصر الطرق للإصلاح والتعديل وإحداث التغيير والمعالجة، ولتحقيق معادلة التربية والتعليم في المدارس، وكذلك التربية والتقويم العائلي في المنزل لو تحرى ممثلوها رشداً.