جرت العادة أن المجتمعات التي يسهل رواج الإشاعات فيها هي المجتمعات البدائية التي حظها قليل من الثقافة والوعي، ولم تنل تعليما يؤهلها للتفريق بين الأخبار التي تتحدث عن الواقع والإشاعات التي يسهل كشف أكاذيبها، وهذه المجتمعات هي التي يمكن لأعدائها أن يتلاعبوا بعواطفها ويوجهوها كيف شاؤوا، لكن ما جاء في الأيام الماضية يختلف تماما، فالمجتمع السعودي الذي عُرف بوعيه وثقافته أصبح بعض أفراده يتلقف الإشاعات ويسهل تمريرها عليه حتى وإن كان أساسها الهش يبصره الأعشى!!، لذلك فمثل هذه الحالات جديرة بأن يوليها علماء الاجتماع والاقتصاد بدراسات معمقة تقف وراء أسبابها. وعلى الرغم من التحذيرات والإيضاحات المتكررة من الجهات الأمنية المسئولة التي كشفت زيف هذه الإشاعات، إلا أن ماكينة سنجر الأسد غدت هي الشغل الشاغل لبعض فئات المجتمع السعودي!!، فما الأسباب التي أدت إلى هذه المفاجأة؟ وما مكمن سرها؟ وهل يرجع ذلك إلى أن تعليمنا أصبح لمحو الأمية في الكتابة والقراءة فحسب؟ أم أن هناك أسبابا اقتصادية يعاني منها بعض أفرادنا جعلته يركض خلف وهم الثراء من ماكينة خياطة قديمة؟أم أن البعض طغت عليه النظرة المادية العصرية فأعماه جشعه من أن يفرق بين الحقيقة والإشاعة. مشكلتنا مع الوعي يقول الدكتور محمد بن قياض الشليخي المتخصص بمجال تنمية التفكير عند حديثنا عن ما حصل من - الجانب التفكيري - سنجد أن هناك ضعفا وضحالة في التفكير لدى الشريحة التي جرت خلف هذا الأمر، ويدلل ذلك على مدى سهولة التأثير واستغلال الحالة الفكرية أو النفسية أو الاجتماعية لها لتمرير ما يُرغب الحصول عليه،وحادثة ماكينة الخياطة أنبأت إلى أن هناك مشكلة وعي لدى فئة من المجتمع،كما أبانت أيضا إلى مدى اعتماد بعضنا على الغير، وهذا الغير قد يستغلنا بفطنة منه وذكاء، لذا على الجهات المسئولة عن تنمية التفكير لدينا، وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم أن تجعل من المناهج المدروسة مناهج تنمي التفكير وتطوره، ولا يتم ذلك إلا بإسناد مهمة تطوير التفكير لمتخصصين وليس مهتمين. غياب المعلومة هو السبب! كما تحدث الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز اليوسف أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قائلا: هناك أسباب عديدة لانتشار الإشاعات في المجتمع سواء كانت متعلقة بماكينة سنجر أو غيرها،حيث تنتشر الإشاعات في الأنساق المغلقة والمجتمعات التي لديها قابلية لتصديقها، بالإضافة إلى أن غياب المعلومات الدقيقة والرسمية قد يساعد في انتشارها، لذا فالسلاح الأمثل لمواجهة الإشاعات هو السرعة في إيضاح الحقائق وعدم ترك المجتمع يبحث عن المعلومة من خلال مروجي الإشاعات، مضيفا أنه لا يمكن القول إن المجتمع السعودي أرض خصبة للإشاعات ولكن المجتمع السعودي شأنه شأن المجتمعات النامية التي قد تنتشر فيها الإشاعة بسرعة بسبب نقص الوعي أحيانا أو غياب المعلومة الدقيقة، وعلى العموم فالإشاعة الخاصة بماكينة سنجر ارتبطت بالبحث عن الثراء السريع لدى البعض ولعلها صورة أخرى من صور معضلات الأسهم والمساهمات الوهمية، وأعتقد أن مثل هذه الإشاعات تنتشر بسبب غياب المنافذ المناسبة للاستثمار مما يجعل البعض يبحث عن الثراء من أقصر الطرق وبذلك تنمو بذور الإشاعة في مثل هذه الأجواء المناسبة لانتشارها. دور مؤسسات المجتمع من جانبه تحدث الدكتور فهد بن عبدالكريم البكر الأستاذ المشارك في قسم التربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قائلا: تظهر الإشاعة في المجتمع إذا اختفت الحقيقة،وصار فيه مجال للتأويل، والإشاعة موجودة في كل مكان، وتأخذ صورا مختلفة مثل التكهن بارتفاع أسعار المواد الغذائية، وزيادة الراتب أو تمديد الإجازات وغيرها. وأضاف تلعب المؤسسات التربوية والإعلامية والمجتمعية دورا مهما في الحد من ظاهرة الإشاعة، فهي تتحمل مسئولية كبيرة تجاه أفراد المجتمع، فعلى سبيل المثال تضطلع المؤسسات التربوية بمهمة تربية النشء وتعليمهم وغرس القيم الاجتماعية لديهم، وواقع تلك المؤسسات يشير إلى غياب التفكير المنهجي الذي أرى أنه سلوك يجب غرسه في الناشئة منذ سنوات التعليم الأولى، فالتفكير المنهجي سلوك غير موجود في مدارسنا، وهذه مسئولية تتحملها المناهج الدراسية، وهذا ما تؤكده نتائج معظم الدراسات التربوية التي تشير إلى ضعف مستوى إسهام المقررات الدراسية في تنمية التفكير لدى التلاميذ وعدم تدريب المعلمين وإعدادهم على تنميته، فالتفكير المنهجي هو الفريضة الغائبة عن مناهجنا الدراسية ولذلك كثرت الإشاعة بين أفراد المجتمع، كما يجب ألا نغفل دور بقية المؤسسات المجتمعية الأخرى في الحد من ظاهرة الإشاعة، فدورها لا يقل أهمية عن دور المؤسسات التربوية والإعلامية. البحث عن الثراء وأشار الأستاذ الاقتصادي عبدالله عبيدات إلى أن الاحتياجات الإنسانية المستمرة والمتجددة جعلت الضغوطات تزيد وتزيد معها الاحتياجات فأصبح المرء منا لا يكتفي بدخله الشهري وإنما يبدأ البحث من هنا وهناك عن الثراء السريع بأية وسيلة لإشباع تلك الاحتياجات المتجددة، وإشاعة ماكينة الخياطة ليست الأولى وإنما جاء قبلها أمور كثيرة أثرت بالناس الذين تتبعوها، مع العلم أن الاحتياجات لم تعد كما كانت ذي قبل،وإنما جدَّت بعض الكماليات التي أصبحت من الضروريات التي لا يستغنى عنها.