ضمن جهودها لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه واستكمالا لجملة من التدابير الوقائية التي اتخذتها الحكومة الجزائرية في السابق لمراقبة حركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج وفي أول قانون من نوعه يسن في تاريخ الجزائر من المنتظر أن يصادق البرلمان الجزائري خلال الأيام القليلة المقبلة على مشروع القانون الجديد المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتها الذي عرضه وزير العدل الطيب بلعيز ضمن الإصلاحات التي يشهدها قطاعه بهدف تحديث المنظومة القانونية والتشريعية تمشيا مع التحولات العالمية في مجال حركة الأموال والتجارة الموازية وتبييض الأموال ومكافحة الإرهاب . ومن شأن التشريع الجديد الذي دافع عنه الوزير أمام النواب وقال انه يهدف إلى قطع الصلة بين ما أسماه «الأموال النقية» المتأتية من التجارة والتبادلات الشرعية وبين «الأموال الخبيثة» الناجمة عن الأعمال الإجرامية التي أصبحت تشكل كتلة قوية تهدد الاقتصاد والأمن والاستقرار في العالم بأسره، من شأنه أن يحدّ من حركة بارونات الأموال المشبوهة، ويقلص من الفضائح المالية التي تعرضت لها المنظومة البنكية في الجزائر على خلفية فضيحة «مجمع الخلفية» وحماية الاقتصاد الجزائري من ملايير الدينارات المتداولة في السوق الموازية، واقتصاد الغش، بما يتماشى ومتطلبات التعاون الدولي في هذا المجال . ويتزامن مشروع القانون الجديد حول الوقاية من تبييض الأموال ومكافحة شبكات تمويل الإرهاب الذي ينص على رفع السرّ المصرفي والتحري بشأن كل حركة أموال مشبوهة المصدر والتبليغ عنها للجهات القضائية المختصة فضلا عن وضع نظام رقابة داخلية صارم على مستوى البنوك والمؤسسات المالية وإرغامها على وضع نظام وقائي يمكن من معرفة دقيقة لهوية الزبائن .. يتزامن مع الاستراتيجية المالية الجديدة التي سطرها قطاع المالية في الجزائر على المدى المتوسط (2005/ 2009) ويشكل موضوع «الأمن المالي» أهم ركائزها من خلال التعديلات الجديدة التي أدخلت على قانون المالية للعام 2005 والتي مست قانون العملة والصرف . كما يتزامن مع مشاكل تعرفها خلية معالجة الاستعلام المالي التي تم تنصيبها في 14 مارس 2004 على مستوى وزارة المالية على خلفية تأخر إعداد المرسوم المتعلق بالهياكل الداخلية المجمد على مستوى الوظيف العمومي وعدم تعيين أمين عام لها . وجاء إنشاء هذه الخلية التي تعد جهازا مستقلا للتحريات المالية يفرض على المؤسسات المالية العاملة في الجزائر أن تطلعها على أية عملية مشكوك فيها، وأن تخضع للتحقيقات التي تقوم بها هذه الخلية ترخّص بتجميد الأرصدة لأكثر من 72 ساعة في حالة وجود نشاط مشكوك فيه، جاء إنشاؤها بقرار من مجلس الأمن الدولي الذي ألزم الدول الأعضاء بإنشاء هذه الخلايا للوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومحاربتهما . و كانت الجزائر في إطار جهودها لمحاربة شبكات تبييض الأموال التي أصبحت تهدد الاستقرار الاقتصادي عمدت العام 2002 إلى إنشاء خلية لمعالجة الاستعلام المالي لدى وزارة المالية بعدما أكد الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في عديد من المناسبات أن شبكات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب تشكل آفتين تهددان استقرار وسير عمل الأسواق المالية في الجزائر، كما تشكلان تهديدا لأمن الدولة . وكان التقرير العالمي حول مكافحة تبييض الأموال والمخدرات للعام 2003 الصادر عن الخارجية الأمريكية أعد حصيلة إيجابية حول الجزائر مشيرا أن حجم عمليات تبييض الأموال في الجزائر «ضئيل وذلك بفضل وجود نظام صارم لمراقبة الصرف» وقال التقرير بخصوص تمويل الإرهاب ان الجزائر تتوفر على أمر مؤرخ في سنة 1995 ينص على أحكام بالسجن تتراوح ما بين 5 و10 سنوات عن مثل هذه الجرائم، وذكر بان الجزائر انضمت سنة 1988 إلى اتفاقيتين لمنظمة الأممالمتحدة تتعلق بقمع تمويل الإرهاب ومكافحة المخدرات كما انضمت العام 2002 إلى الاتفاقية الأممية ضد الجريمة المنظمة العابرة للحدود . ولم يتأخر الخبراء الماليون في انتقاد المشروع منذ أودعه وزير العدل لدى اللجنة القانونية بالبرلمان الجزائري، مؤكدين أنه سيبقى حبرا على ورق، وأن تطبيقه سيحتاج إلى سنوات أخرى، بالنظر إلى أن 80٪ من السيولة النقدية مودعة خارج البنوك، فضلا عن صعوبة مراقبة الحسابات البنكية لافتقار البنوك الجزائرية إلى نظام مراقبة فعال مبني على أساس المعايير الدولية . وكان وزير العدل حافظ الأختام الطيب بلعيز لدى دفاعه عن مشروع القانون الجديد قال إن من شأنه توسيع صلاحيات اللجنة المصرفية التابعة لبنك الجزائر في مجال مراقبة البنوك والمؤسسات المالية، والاستعلام عن مصدر الأموال ووجهتها بكل الطرق القانونية، وإخطار الهيئات المختصة في حال الشك في الأشخاص .