الإعلام الإسلامي والعالمي مطالب بأن يفتح المجال للمستقلين من العلماء من جميع الأطراف لكي يضخوا منهجيتهم المستقلة لكي نخلّص كل المسلمين سواء من الشيعة أو السنة من أزمة التبعية السياسية التي تغطي نفسها بغطاء ديني حتى وصل بنا الحال إلى هذه الفرقة بين أصحاب الدين الواحد ظلت العلاقة بين الإنسان المسلم وبين تطورات الحياة السياسية من حوله علاقة غامضة بطريقتها واسلوبها التكتيكي فهي على مستويين: الأول مستوى الخطاب الاجتماعي الذي يرفض الحديث عن تلك العلاقة على اعتبار أن الفصل في أي جزئية هنا قضية خطيرة ولذلك يظل الخطاب يتجاوزها ولا يسمح بمناقشتها لذلك أصبحت من المسكوت عنه. المسكوت عنه مفتوح لكل فرد مهما كان موقعه بل إن ذلك احد الويلات التي واجهها العالم الإسلامي وخاصة بمذهبيه السني والشيعي. المستوى الثاني وهو نتيجة للأول وهو عندما تم السكوت عن مناقشة علاقة المسلم بالواقع السياسي من حوله أصبح يبحث عن تبعية يجري خلفها لتبرر له كيفية ممارسة الحياة الدينية ليس في جانبها العقدي ولكن في جانبها الخاص بعلاقة المسلم مع الواقع الحياتي. من هنا ظهرت القيادات الدينية السياسية التي تعتقد أنها تفهم في كل شيء كما تحب أن توصف، وأصبحت الأديان تأتي من السماء بربع التعاليم ويضيف عليها البشر من غير الأنبياء في الأرض الثلاثة أرباع الأخرى وهذا ما جعل الحياة الدينية مزدحمة في تطبيقاتها بين المسلمين سواء في المذاهب أو الجماعات، وباستعراض الكثير من التعاليم في الثقافة الدينية سوف تجد أنها تأتي من رموز فهمت الدين بطريقتها وصار لها أتباع. هذه واحدة من أزمات العالم الإسلامي فالخطاب الاجتماعي الديني قد يمنح طفلا لم يبلغ الحلم الحق في ممارسة ادوار لا تتوافق مع واقعه الفكري فيسمح لنفسه بإطلاق الصفات السلبية على كل فرد يختلف معه في النظرة حول علاقة الدين بالسياسة على سبيل المثال. من وجهة نظري أن احد أهم الأسباب في تشكل الإرهاب بين فئات من المجتمعات الإسلامية وما تم تبنيه من صغار السن ومتوسطي الأعمار هو هذه الممارسات التي اذكرها فالفرد المسلم ومن جميع الأطياف لا يفهم بحق كيفية علاقته بواقعه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي إلا من خلال تبعية فكرية مخلة أو اجتهاد شخصي سيكون سلبيا في اغلب الأحيان. أعود إلى العلاقة المضطربة بين المسلم وواقعه السياسي والاجتماعي في عالمنا الإسلامي والذي يمثل فيه المسكوت عنه حجما كبيرا تم استغلاله من قبل المدعين بفهم الإسلام على طريقتهم. لقد أصبحت بضاعة الإسلام ومع كل أسف مبررا للكثيرين لممارسة أعمال يستطيعون تبريرها بفهمهم المختلف والمخالف، وباستعراض العالم الإسلامي والعربي خصوصا سوف تجد أن منظمة مثل (القاعدة) تمارس خطابا يستند إلى الإسلام ولديها من المبررات ولها من الأتباع والمؤيدين ، السؤال المسكوت عنه هنا من سمح لفكر مثل هذا أن يجد رواجا له بين الشعوب الإسلامية. لا تتوقعوا أن أقول إن أحدا كان السبب ليس لأني لا أريد أن أقول الحقيقية بل لان الحقيقة مختلفة عن تصوراتنا فالمسكوت عنه في تاريخنا الإسلامي ووصف علاقتنا بالدين وتنازع المختلفين هي السبب خلف ذلك. على سبيل المثال استغلت القاعدة وغيرها من الجماعات المتطرفة سواء السنية أو الشيعية منها المناطق المعتمة في التاريخ الإسلامي وراحت تضيء فيها إنارة مختلفة ولكن على طريقتها وباسلوبها مما جعلها تنظر إلى الأشياء بشكل مختلف متناسق مع رؤيتها الخاصة بها فقط. إن الخطاب الديني في عالمنا الإسلامي وخاصة السياسي منه مع كل أسف خطاب تبدو على ملامحه التبعية وليس التراكمية التطويرية في الثقافة الدينية، لذلك تجدنا نقف عند كل منعطف حضاري نمر به لننتظر ما الذي يجب أن يتم كسره من خطابنا أو ما سوف ينكسر بفعل التغيير وما الذي سوف يبقى من خطابنا لنكمل به المسيرة في بحر الحياة، مركبنا أصبح عرضة للانهيار وخطابنا نرفعه بنفس أوراقه القديمة لذلك فمن الطبيعي أن خطابنا سوف يصف ما هو أمامنا. إن من الظلم للمسلمين مطالبتهم بالتحضر والتطور في ظل خطابهم القائم ليس بسبب دينهم كما يروج البعض، إن المسلم اليوم ومن أي طائفة يذهب ضحية اجباره على تبعية مطلقة لفرد أو مجموعة وهذا ما يحدث في عالمنا. الكثير من المسلمين ونتيجة للخطاب التبعي المطلق وليس الجزئي عاجزون عن تحديد مسار مستقل لهم، لذلك يعاني الكثير منهم من القلق في ثقافتهم الدينية فتجدهم متشنجين في إجاباتهم متشنجين في علاقاتهم مع بعضهم متشنجين في رؤيتهم لواقعهم وكل ذلك ينعكس على ثقتهم بأنفسهم التي تجعلهم يعادون ويحبون وفقا لمبدأ التوافق بينهم والآخرين وليس من خلال مبادئ التسامح في الإسلام. نحن في العالم الإسلامي ونتيجة لهذه المنهجيات وصلت بنا الحال إلى أزمة بيننا نحن المسلمين أكثر مما هي مع غير المسلمين. لقد أصبحت المطالبة بالاستقلالية الفكرية للمسلم الفرد ضرورة ملحة لتجاوز التبعية وإلا سوف يعاني العالم الإسلامي من مزيد ومزيد من السير نحو الانقراض الفكري الذي لن يبقي شيئا يمكن الاعتماد عليه سوى إطلاق المزيد من التبعية للآخرين لان أزمة التبعية هي محور أزماتنا في هذا القرن. لقد مارست الدول (الثيوقراطية) ونموذجها إيران حاليا جزء من تلك المهمة فأصبح التشيع سمة إيرانية في عالمنا الإسلامي قبل أن يكون سمة مذهبية منتشرة في العالم وأصبحت إيران تخرج في كل موقف يكون الشيعة طرفا فيه لتفرض هذا الجانب وهذا يتنافى مع الهويات والوطنية الخاصة بالشيعة الذين يعيشون على أراض إسلامية أخرى. لكن السؤال المسكوت عنه يقول هل يتطلب أن أكون متحيزا لإيران لأنني شيعي مسلم....؟ لا اعتقد ذلك ...هذا هو السؤال الذي أثرته في بداية هذا المقال، لقد وجد بيننا من ذهب إلى تلك المراحل المعتمة من التاريخ الإسلامي وراح يضيئها بطريقته الخاصة وصار يبحث عن مخارج تبرر أعماله. ليست إيران أو حزب الله هما المجتمعات الوحيدة في العالم الإسلامي التي ترفع التدين كل العالم الإسلامي لديه دول متدينة وشعوب بطولها وعرضها ترفع الإسلام منهجا لا يمكن الحياد عنه. العالم الإسلامي يتجه وبفعل الكثير من التفسيرات الخاطئة لتاريخه السياسي إلى حرب بين أبنائه سيكون رمادها أناسا لا حول لهم ولا قوة وهذا ما يجعلنا أن نطالب بفتح المجال أمام جيل من المسلمين الشباب المستقلين عن تبعية غير مسؤولة. علاقة الفرد المسلم بواقعه الديني لا تزال مضطربة وسوف تظل لان منعطفات التاريخ والحضارة سوف تعمل على كسر المزيد من مقوماتنا التي حملناها معنا عبر التاريخ وخاصة أن كثيرا من الأدلة التي نسّير بها سفينتنا عبر التاريخ كتبت قبل وقتنا بعشرات السنين. إن إيران السياسة وحزب الله السياسة والقاعدة السياسة والمتطرفين كل أولئك ينظرون إلى الواقع بطريقة تصادر دور المختلف معهم، إن تدخل الدين مهما كان نوع التفسير الذي يطرحه سواء تفسيرا سنيا أو شيعيا سوف يجر معه آلاف المسلمين الذين لا حول لهم ولا قوة لأنهم يعاملون كتابعين. هذه أزمتنا الحقيقية لذلك ادعو المسلمين إذا أتيح لهم أن يسمعوا بأن يطلقوا شعار الاستقلالية كما ادعو علماء المسلمين إلى تبني نفس الاستقلالية. إن ما تفعله إيران وما يفعله حزب الله لن يثمر سوى عن مزيد من الأزمة بين السنة والشيعة لأنهما بمنهجيتهما السياسية يقحمان العالم الشيعي بأسره في أزمتهما الخاصة، وهذا ما يتطلب منهجية سياسية جديدة تضخ في عقول النشء الجديد منهجية مختلفة في علاقة الفرد بثقافته الدينية وفلسفة التبعية فالمطلوب أن يتحول الاختلاف المذهبي إلى نقاط قوة واتحاد بدلا من أن يكون منطقة هشة بيننا تخلق الاختلاف والتفرق. الإعلام الإسلامي والعالمي مطالب بأن يفتح المجال للمستقلين من العلماء من جميع الأطراف لكي يضخوا منهجيتهم المستقلة لكي نخلّص كل المسلمين سواء من الشيعة أو السنة من أزمة التبعية السياسية التي تغطي نفسها بغطاء ديني حتى وصل بنا الحال إلى هذه الفرقة بين أصحاب الدين الواحد.