"الاختلاط " الممارسة التي يجد السعوديون حولها سياجاً دينياً واجتماعياً لا يمكن الاقتراب منه، بدا واقعا لا مفر منه في ظل أنظمة التعليم الحديثة في بريطانيا ودول الابتعاث. ووحدهم المبتعثون السعوديون يشعرون للوهلة الأولى على مقاعد الدراسة بإتاحة محظور يشكل لهم ارتكابه مخالفة يعاقب عليها الشرع والعرف في مجتمعهم الذي يعتبر الفصل بين الجنسين صمام أمان وصونا لهم من الفتنة والوقوع في الخطيئة. التعامل مع هذه الثقافة المحرمة محلياً كانت تجربة تحظى بالكثير من المفارقات لدى المبتعثين، إذ يعتبرها البعض منهم تجربة جديدة من شأنها الاستفادة منها والبعض الآخر يصفها بالممارسة القاسية، فيما يعتبر آخرون أنها بمثابة الفرصة الثقيلة لعمل مراجعات تطال الصورة النمطية عن أضرار الاختلاط في المجتمع السعودي. انخراط السعوديين في "الاختلاط".. لم يكن يسيرا ليتأقلموا معه، فردة الفعل تجاهه لا يمكن أن تمر دون مشاهد ارتباك وتوتر، لكنهم رغم ذلك وجدوا أنفسهم وزوجاتهم مستعدين لخوض غمار التجربة المضطرين إليها. المبتعث سليمان لا يخفي انزعاجه من اندماجه وزوجته ضمن التعليم المختلط، موضحاً أن الرضى بوجود الزوجة ضمن طلاب اجانب هو أمر ليس بالسهل . أكثر ما يزعج سليمان هو طلب المحاضر تكوين فرق طلابية تتدارس تمرينات وواجبات محددة داخل القاعة الدراسية، يقول في هذا الشأن "هذا الأمر يفرض التواصل بين زوجتي وبعض الطلاب الآخرين، أكون أكثر صدقا ووضوحا إذا قلت ان هذه اللحظات صعبة للغاية رغم انها تعتبر عادية في المجتمع الغربي.. نعم أثق بزوجتي لكني لم اتعود على هذا المنظر"!. عبدالعزيز ورغم انضمامه إلى الجامعة مع زوجته إلا أنه يرفض تماماً تواجده بجانبها في قاعة المحاضرات، سبب ذلك كما يشير في عدم تضييق المساحات الحرة لتصرفاتها. الاختلاط من وجهة نظر المبتعث بدر جعله يتعرف أكثر على الجنس الآخر، يقول "كنت أخشى كثيرا من عدم التأقلم مع بيئة التعليم المختلطة لكوني سعوديا ولم أمر بتجربة كهذه لكنني وجدت الأمر أسهل مما توقعت، ورغم أن زوجتي تدرس في فصول مختلطة إلا انها لا تواجه صعوبة في ذلك". في حين أن نايف والذي ابتعث وزوجته اعترف برفضه التواجد معها في قاعة واحدة لعدة أسباب أهمها أنه لم يتصور في يوم ما أن يقابل زوجته في القاعة الدراسية، ولا ينفي نايف ثراء تجربته في التعرف على أجواء التعليم المختلطة. "من شان الاختلاط أن يعلي من ثقة الفتاة بنفسها" هذا ما ذكرته سهام التي لم تجد أي صعوبات في الدراسة في بيئة مختلطة، منوهة بأخلاق الشباب والفتيات السعوديين في الجامعات والمعاهد وأنهم يتعاملون بروح الأسرة الواحدة بعيدا عن الشكوك والظنون السيئة. وتشير مها إلى أنها تفرق كثيرا في التعامل مع الطالب السعودي وغير السعودي في بيئة التعليم المختلطة لأسباب كثيرة أهمها أن الطالب السعودي يتحدث غالبا مع الفتاة السعودية بخلفيات اجتماعية شائكة، بينما تجد التعامل مثاليا وخاليا من المبالغات من قبل الطلبة الأجانب، مضيفة أنها رفضت ان يدرس زوجها معها في ذات الجامعة لاعتبارات عديدة أهمها أنها ستشعر نفسيا برقابة زوجها لها حتى في حال عدم صحة ذلك واقعيا. ويختلف عبدالله مع كثير من الآراء الأخرى، مشيراً إلى أن وجود بيئات تعليم مختلطة في الغرب لا يعني التساهل والخضوع بالقول مع الرجال الأجانب، ناصحاً بنات بلده بعدم الخضوع في القول مع الطلاب الأجانب. ولأن "التغيير" هو عنوان المرحلة التي يعيشها المجتمع السعودي بكافة أطيافه ، فمن المنتظر أن تسهم جرعات الانفتاح التي يتلقاها السعوديون في الخارج ، جراء اندماجهم وتقبلهم للثقافة الغربية، في الحث على إحداث مراجعات قد تفض بعض التراكمات الحساسة في علاقة الرجل بالمرأة.