الخلايا الإرهابية التي كشفت عنها السلطات المصرية منذ أيام ، تؤكد ما كان يحذر منه المخلصون في الوطن العربي ، من الدور الخطير الذي يقوم به جالوت وجنوده في المنطقة ، كالتآمر على أمنها ونشر الفوضى وخلط أوراقها وتفتيت أوصالها ، وهو ما يؤكده كلّ ما مرّ بالمنطقة من أحداث بدءا باختطاف قرار الدولة اللبنانية وتهميشها وجرّ لبنان إلى حرب ما زال يعاني تبعاتها، مرورا باحتلال قلب بيروت عدة أشهر ومحاصرة الحكومة ، وصولا إلى التآمر على الدول العربية الذي لم يكن أوله ما كُشف عنه مؤخرا في مصر . جالوت صاحب النصر الإلهي لا يعترف بشرعية سوى شرعية حزبه ، ولا يقيم وزنا لأيّ اعتبارات سوى ما يمليه عليه الولي الفقيه ، فهو غير معني بالقوانين الدولية والمواثيق والتعهدات ، لأنّ ذلك كله من صنع البشر الذين لا عصمة لهم كالأولياء والفقهاء المعصومين ، كما أنه لا يقرّ بالسيادة الوطنية وحق الدول في ممارسة سيادتها على أراضيها ، وما فعله في مصر يؤكد اعتقاده بأن الدول ستعامله كما يُعامل في لبنان حيث لا مساءلة ولا حدود لانتهاكاته ولسلطته التي مكنته من إقامة دولة لا سلطة للدولة اللبنانية عليها ، وتبعا لفهمه الذي ينبع من الخروج على القوانين والأعراف الدولية ، فإنه يظن أنّ من حقه انتهاك سيادة الدول بنشر إرهابييه على أراضيها نصرة للقضية الفلسطينية التي جعلها كقميص عثمان لتبرير تسلطه وإرهابه ، ولذا اعترف دونما خجل أنّ السلاح المكتشف جزء من عملية لوجستية لدعم حماس ، مغطيا إرهابه وتدخله بمبرر المقاومة المسلحة ، وهذا في نظره حق مشروع مادام في حالة حرب مع عدو محتل ليبدو فلسطينيا أكثر من الفلسطينيين !! غير مبال بسيادة الدولة التي ينتهك أراضيها ولديها معاهدة سلام مع إسرائيل ، مما يؤكد عزمه على نقل الحالة اللبنانية وتعميمها على الدول العربية، فبالأمس الأردن والبحرين واليوم مصر ولا ندري على من سيأتي الدور في الغد ! إن ما حدث في مصر كانت له مقدمات إبان حرب غزة ، إذ حرّض المصريين على النزول إلى الشارع ليفتحوا معبر رفح بصدورهم ، وطالب ضباط وجنود القوات المسلحة المصرية بالضغط على الحكومة المصرية ، واتهم صراحة المسؤولين المصريين بالتواطؤ في حصار غزة قائلا : إن لم تفتحوا معبر رفح وتنقذوا الفلسطينيين فأنتم شركاء في الجريمة والقتل والحصار، كما هاجم الدول العربية كافة واتهمها بالتآمر على الشعب الفلسطيني !! وليس هذا الأمر بمستغرب على رجل لم يعرف في حياته معنى الدولة ، ولم يعش مفهوم الانتماء للوطن ، ولم يمارس احترام الدستور والقانون ودولة المؤسسات ، ليطالب المصريين الذين خاضوا عدة حروب وخسروا آلاف الشهداء ، بالتمرد على دولتهم !! في حين أن أحدا من أولئك الممانعين والمحرضين لم يهبوا لمساعدة أهل غزة ، إذ اكتفوا بالتحريض على الدول العربية الكبرى واتهامها بالتخاذل عن نصرتهم ، فلم يصدر عنهم سوى خطابات عنترية رنانة وفارغة مشبعة بالحقد والكراهية والكذب وتشويه الآخر الذي لا يتماهى مع سياساتهم وشعاراتهم الجوفاء ، التي تداعب عقول البسطاء بانتصارات وهمية يخلعون عليها صفة الألوهية. لم تتمكن إيران من اختراق جدار الأمن القومي العربي إلا من خلال العملاء العرب ، وذلك عندما استطاعت توظيفهم وإبعادهم عن أداء أدوارهم الوطنية خدمة لمشاريعها وأجندتها السياسية والأمنية ، لا على صعيد المنطقة فحسب وإنما على الصعيد العالمي حين تستغل قضايا العرب لتستخدمها ورقة ضغط على الغرب وإسرائيل ، ويحتل جالوت مركز الصدارة فيمن يعملون لمصلحة إيران بوصفه رافعة أساسية لدورها في المنطقة عامة وفي لبنان على وجه الخصوص ، ولا ننسى أن قيام إيران ومعها جالوت وجنوده بإرباك الوضع الداخلي في لبنان ، هدفه الأساس إرباك الوضع في المنطقة العربية كلها ، والإخلال بالتوازنات بفرض جالوت لاعبا رئيسا فيها ، وقوة يُحسب حسابها ويُخشى بأسها إقليمياً ، بقدرته على إشعال الحروب والعبث في مقدرات الدول العربية ! ولا ينكر أحد في لبنان أو إيران هذه العلاقة المريبة ، بل إن حلفاء إيران اللبنانيين يعترفون بتلك العلاقة بكل فخر ووضوح ؛ فقد أفصح جالوت عن افتخاره بالانتساب إلى حزب ولاية الفقيه ، مما يعني تلقائيا انتسابه إلى الدولة الإيرانية التي تقوم على هذا المبدأ. وعلى الرغم من ذلك فكثيرا ما ينكر جنود جالوت من العرب الفضائيين تلك العلاقة عندما يجري الحديث عن عمق التغلغل الإيراني في المنطقة ودور جالوت وجنوده في ذلك ، بل إن بعض الأوساط العربية والأحزاب الخاضعة للتأثير الإيراني تعمل في بلدانها على تجميل الصورة الإيرانية وإبرازها و تنقيتها من الشوائب التي يحاول الإعلام العربي المضاد للنفوذ الإيراني التركيز عليها ، إضافة إلى سعي أولئك إلى نشر المشروع الإيراني في المنطقة بوصفه البديل الأفضل للعرب والمسلمين كافة ، بعد أن تطوعت الآلة الإعلامية المأجورة إياها على الترويج لفشل الدول العربية في إيجاد حلول لقضاياها العالقة ، وجرّأت رجل الشارع العربي على تخوين الحكام العرب واتهامهم بالعجز في المظاهرات التي تسيرها فئات عربية معروفة . وهذا يعني أن دور جالوت وأنصار إيران في منظومتها الإستراتيجية يتجاوز لبنان إلى مناطق كثيرة في الوطن العربي . وهذا كله يؤكد أن إيران نجحت في إنشاء قوى سياسية فعالة ومؤثرة ، تساعدها على المساومة وفرض رؤاها على العرب ودول الغرب ، من خلال تلويحها بمخالبها المزروعة داخل الجسد العربي نفسه ، والمراهنة عليها كأدوات للضغط تحقيقا لمطالبها السياسية والأمنية في المنطقة والعالم ، كما أنها نجحت في زرع خلايا نائمة لها في دول عربية أخرى تهدد من خلالها بقلب الموازين في حالة المواجهة بينها وبين واشنطن . لا يملك المراقب للحالة المصرية الراهنة إلا أن يتلفت باحثا عن المتظاهرين العرب ورؤوسهم المحركة لهم ؟ تخيلوا لو أن مصر أو أي دولة من الدول المعروفة بالاعتدال نُسب إليها زورا ، القيام بعمل مماثل في إحدى دولهم كما فعل جالوت وجنوده ، كيف سيُجيش الشارع العربي كله ضدها بواسطة الآلة الإعلامية ، من صحف وقنوات محسوبة على فريق الممانعة بدءا بقناة الجزيرة وانتهاء بقناة العالم الإيرانية ؟ وهل ننسى حملتهم ضد المملكة ومصر والأردن عندما شجبت هذه الدول مغامرة حسن نصر الله عام 2006 ؟ وهل ننسى كيف جعلوا الشارع العربي كله يطعن في مبادرة السلام العربية مع إسرائيل منذ العام 2002 وحتى يومنا هذا ؟ لا لشيء سوى أنها ستضع حدا للمقاومة المزعومة ، وستقطع الطريق على الذين دأبوا على المتاجرة بدماء الفلسطينيين واللبنانيين ! لو أن الذين ألقوا الخطابات وكتبوا البيانات وتظاهروا إبان حرب غزة في أكثر من عاصمة عربية فعلوا ذلك صدقا ووطنية وإخلاصا واهتماما بقضايا الأمة واستقرارها وليس استجابة لإملاءات خارجية ، لفعلوا الشيء نفسه في هذا الموقف ، ولما قبلوا بما فعله جالوت وجنوده ، لأنه يؤذن بدخول نمط جديد من الإرهاب ، نمط يستتر بثياب المقاومة ودعم الجهاد الفلسطيني ، مما يوفر له نصيبا كبيرا من القبول لدى البسطاء والسذج وتجار الحروب والمقاومين الجدد ! كان الأجدر بأولئك الذين هتفوا ضد بعض الدول العربية ، وحاصروا السفارة المصرية في بيروت وحاولوا اقتحامها أن يشهدوا للحق ، ويطالبوا كلا من إيران وجالوت وجنوده بتفسير ومبرر لما حدث من انتهاك لسيادة دولة عربية كبيرة ، وهذا لا يعني أن الدول الأخرى وخصوصا الصغيرة التي تركب موجة الدفاع عن المقاومة بشقها الصارخ للصف العربي وتآمرها عليه ، ستكون بمنأى عن إرهاب مماثل ، فليست مصر الهدف بقدر ما هو السعي لإبقاء العالم العربي ساحة مستباحة لأطماع إيران ومخلبها الكبير جالوت .الذين يستميتون في الدفاع عن جالوت وجنوده وتبرئتهم من التهمة ، زاعمين أنهم لم يقوموا يوما بعمل إرهابي ضد العرب ، هل نسوا ما قام به الهالك عماد مغنية في المنطقة عموماً ، وفي الخليج العربي خصوصاً ؟ كخطف الطائرة الكويتية وقتل بعض ركابها ؟ ثم عملية التفجير في مدينة الخُبر ، ثم ألم يستبيحوا بيروت وسط دهشة الأصدقاء قبل الأعداء ، وعملوا فيها قتلا وتشريدا وتخريبا لم يسلم منه أحد ؟ ثم أخذوا يبررون فعلتهم بالحديث عن مؤامرة مزعومة ، وقبل هذا ألم يمارسوا دور العصابات عندما اختطفوا القرار اللبناني منفردين ، وقاموا في يوليو 2006 بشن حرب على إسرائيل بالوكالة عن إيران ؟ دمروا فيها مقدرات وطنهم ومستقبل شعبهم فضلا عن آلاف القتلى والجرحى والمشردين والمفقودين ، وبعدها أعلن جالوت ( لو كنت أعرف ما سيحدث ما أقدمت على ما أقدمت عليه ) !! فهل هذا هو النموذج الذي يريد أن يطبقه في البلاد العربية بدءا بمصر ؟ وهل ما قام به في مصر امتداد للإرهاب الذي كان يتولاه عماد مغنية ؟ ثم ألا يحق لنا أن نتساءل عن حجم العلاقة بين جالوت والتنظيمات الأخرى المستيقظة والنائمة في بعض الدول الخليجية المرتبطة به إيديولوجيا ؟ وهل هذه العلاقة ثانوية أم أكثر من ذلك ؟ وهل لديها التوجه التدميري نفسه ؟ وبالتالي ما تأثيرها المحتمل في حال نجاحها في استثمار الخلافات العربية وتوظيفها لخدمة أهدافها ؟ ولعله مما يصب في هذا الاتجاه ما أعلنته دولة البحرين من محاولات تخريبية قامت بها جماعات إرهابية مرتبطة بالمشروع الإيراني في العالم العربي ، مدعومة إستراتيجيا و تكتيكيا من حلفاء ومناصرين معروفين ، وحينما تعلن الأجهزة الأمنية البحرينية عن اكتشاف أمني ما ، وعن فضح شبكة أو خلية سرية فإنها لا تضيف جديدا بل تؤكد واقعا معروفا ، فحجم الخلايا السرية في دول الخليج العربي لم تعد خافية ؟ الخلاف بين جالوت وأسياده من ورائه ، وعرب الاعتدال خلاف جوهري في السياسات العامة فالعرب يريدون السلام وهم يريدون الإجهاز على السلام لنشر الفوضى التي تحقق أحلامهم بالهيمنة ، العرب يريدون مساعدة الفلسطينيين بتجنيبهم ويلات الحروب ، وهم يريدون تكريس معاناتهم بتحريض قادتهم على إشعال حرب تلو أخرى تحصد مزيدا من الدماء والخراب والدمار ليكون ذلك ورقة مساومة في أيديهم ، العرب يريدون أن يكون لبنان دولة عربية ديمقراطية مستقلة وهم يريدونها دولة دينية متطرفة تحت ولاية الفقيه !! العرب يريدون أن يتولوا وحدهم حل المشكلات العربية ، وهم يريدون حشر أنوفهم فيها ، وإلا أشاعوا الخراب والإرهاب في أنحاء البيت العربي!!! جالوت وأسياده وجنوده من الأبواق الإعلامية يريدون دفع مصر إلى المواجهة مع إسرائيل ، وإشغال العرب بحروب إقليمية كبيرة تعطل مشاريعهم التنموية وتعود بهم إلى حالة اللااستقرار ، وهذا يحقق لإيران ما تريده في صراعها مع الغرب سعيا للسيطرة على المنطقة ، بعد إضعافها وإشغالها بالحرب مجددا ! لهذا فإنها تسعى للسيطرة عبر عملائها على أكثر من موقع لتجمع أكبر قدر من أوراق الضغط ، تستعملها في مواجهة أمريكا ودول الغرب . أخيرا ما حدث في مصر دليل ساطع على عزم إيران على مضاعفة جهودها لزعزعة الأمن العربي بواسطة جالوت وجنوده الإرهابيين والإعلاميين ، و بعض الدول العربية الصغيرة التي تظن أنها تقي نفسها شرّ إيران وجالوت معه عندما تتواطأ معهما . أخيرا إن توحيد الجهود والطاقات العربية المخلصة كفيلة بجعل العرب قوة ضاربة لصدّ اعتداء المعتدين .